رُجِّح البدل، وهُنَا الكلام نَفْيٌ فيترَجَّحُ نَصْبُه عند التَّممِيميِّين على البدل، دُون النَّصْب على الاسْتثْنَاء؛ فنصْبه من وَجْهَين، وأمَّا الحِجَاز: فنصبه عِنْدهم من وجْهٍ وَاحِد، وظاهِر كلام أبي القَاسِم الزَّمَخْشَريِّ أن مُتَّصِل؛ فإنه قال:» مُحَرَّماً «أي: طعَاماً مُحَرَّماً من المطاعِم التي حَرَّمْتُمُوهَا إلَاّ أن يكُون مَيْتَة، أي: إلَاّ أن يكون الشَّيء المُحَرَّم مَيْتة.
وقرأ ابن عامر في روايةٍ:» أوحَى «بفتح الهمزة والحَاءِ منبيا للفَاعِل؛ وقوله تعالى:{قُلءَآلذَّكَرَيْنِ} وقوله:» نَبِّئُونِي «، وقوله أيضاً:» آلذّكَرَيْن «ثانياً، وقوله:» أمْ كُنْتُم شُهْدَاء «جمل اعْتِرَاض بين المَعْدُودَات الَّتِي وَقَعت تَفْصِيلاً لِثَمانِيَة أزْواج.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ:» فإن قُلْت: كيف فَصَل بين المَعْدُود وبين بَعْضِه ولم يُوَالِ بَيْنَه؟ .
قلت: قد وقع الفَاصِل بَيْنَهُما اعْتِرَاضاً غير أجْنَبيِّ من المَعْدُود؛ وذلك أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - مَنَّ على عِبَاده بإنْشَاء الأنْعام لمَنَافِهِم وبإياحتها لَهُم، فاعترض بالاحْتِجَاج على مَنْ حَرَّمها، والاحْتِجَاجُ على مَنْ حَرَّمَها تأكيدٌ وتَشديدٌ للتَّحْلِيلن والاعْتِراضَات في الكلامِ لا تُسَاقُ إلا للتَّوْكِيد «.
وقرأ ابن عامر: «إلَاّ أنْ تكُون مَيْتَةٌ» بالتَّأنيث ورفع «مَيْتَةٌ» يعني: إلا أن يوجَد مَيْتَةٌ، فتكون تَامَّة عِنْدَه، ويَجُوز أن تكون النَّاقِصَة والخبرُ محذوف، تقديرهُ: إلا أنْ يَكُون هُنَاك مَيْتَة، وقد تقدَّم أن هذا مَنْقُولٌ عن الأخْفَشِ في قوله قبل ذلك {وَإِن يَكُن مَّيْتَةً}[الأنعام: ١٣٩] .
وقال أبو البقاء:«ويقرأ برفع» مَيْتَةٌ «على أن تكون تامَّة، وهو ضعيف؛ لأن المَعْطُوف مَنْصُوب» .
قال شهاب الدِّين: كيف يُضَعَّف قراءة مُتواتِرة؟ وأما قوله:«لأن المَعْطُوف مَنْصُوب» فذلك غير لازم؛ لأن النَّصْب على قِرَاءة مَنْ رَفَع «مَيْتَة» يكون نَسَاٌ على مَحَلِّ «أنْ تَكُون» الواقِعَة مسْتَثْنَاة، تقديره: إلَاّ أن يَكُون مَيْتَة، وإلا دماً مَسْفُوحاً، وإلَاّ لَحْم خِنْزِير.
وقال مكِّي: وقرأ أبو جعفر: «إلَاّ أنْ تكُون» بالتَّاء، «مَيْتَةٌ» بالرفع ثم قال: وكان يَلْزَم أبَا جَعْفَر أن يَقْرَأ «أوْ دَمٌ» بالرفع، وكذلك ما بَعْدَه.