أحدهما: أنه مُتَعَلِّق ب «حَرَّم» ؛ اختِيَار البَصْرِيِّين.
والثاني: أنه متعلِّق ب «اتْلُ» ؛ وهو اختيار الكُوفيِّين، يعني: أن المسألة من باب الإعْمَال، وقد عَرَفْت ان اختيرا البَصْريِّين إعمال الثَّاني واختيار الكوفيين إعْمَال الأوَّل.
قوله:«ألَاّ تُشْركُوا» فيه أوجُه:
أحدهما: أنَّ «أنْ» تفسيرية؛ لأنَّه تَقَدَّمَها مَا هُو بمعنى القَوْل لا حُرُوفه، و «لا» هي نَاهِيَة، و «تُشْركُوا» مجزوم بها، وهذا وَجْهٌ ظاهرٌ، وهو اختيار الفراء قال:«ويجُوزُ أن يكون مَجْزوماً ب» لَا «على النَّهْي؛ كقولك:» أمَرْتُك ألا تذْهب إلى زَيْد «بالنَّصْب والجزم» . ثم قال: والجَزْم في هذه الآية الكريمة أحبُّ إليَّ؛ كقوله - تبارك وتعالى - {فَأَوْفُواْ الكيل والميزان}[الأعراف: ٨٥] يعني: عَطْف هذه الجُمْلَة الأمْرِيَّة يُقَوِّي ما قَبَلَها نَهْي؛ ليتناسَبَ طَرفاً الكلام.
وهو اخْتِيَار الزَّمَخْشَري أيضاً؛ فإنه قال:«وأنْ في» ألَاّ تُشْرِكُوا «مفسِّرة،» لا «للنَّهِي» ثم قال بَعْد كلام: «فإن قُلْتَ: إذا جَعَلت» أن «مُفَسِّرة لفعل التِّلاوة، وهو مُعَلَّق بما حَرَّم ربُّكم، وجب أن يكُون ما بَعْدَه مَنْهِيَّا عنه محرّماً كُلُّهُ؛ كالشرك وما بَعْدَه مما دَخَل عليه حَرْف النَّهْي [فما تصنع] بالأوَامِرِ؟» .
قال شهاب الدِّين:«لَمَّا وَرَدَت هذه الأوَامِر مع النَّواهي، وتقدمَهُنَّ جميعاً فعل التَّحْريم، واشتركْنَ في الدُّخُول تحت حُكْمه، عُلِم أن التَّحْريم راجعٌ إلى أضْدَادِها، ويه الإسَاءة إلى الوَالديْن، وبَخْسُ الكَيْل والمِيزَان، وتَرْكُ العَدْل في القَوْل، ونكْثُ العَهْد» .
قال أبو حيَّان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «وكون هذه الأشْيَاء اشتركت في الدُّخُول تحت حكم التَّحْريم، وكون التَّحْريم راجعاً إلى أضْدَاد الأوَامِر؛ بعيدٌ جدّاً، وإلغاز في التَّعَامِي، ولا ضَرُورَة تدْعُو إلى ذلك» .
قال شهاب الدين:«ما اسَتْبْعَدَهُ ليس بِبَعيد، وأين الإلغَاء والتَّعَمِّي من هذا الكلامِ حتى يَرْمِيه به» .
قال ابن الخَطِيب: فإن قيل: قوله: {أَلَاّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وبالوالدين إِحْسَانا} كالتَّفْصِيل لِما أجمله في قوله: - تبارك وتعالى -: «ما حَرَّم» وذلك بَاطِلٌ؛ لأن تَرْكَ الشِّرْك والإحْسَان بالوالِدين واجبٌ لامُحَرَّم.