للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وثانيهما: قوله: {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} أي: إن أكلتما منهما ظلمتما أنفسكما ألا ترى لما أكلا {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} [الأعراف: ٢٣] .

وثالثهما: لو كان للتنزيه لما استحقّ آدم بفعله الإخراج من الجنة، ولما وجبت التوبة عليه.

قال ابن الخطيب: الجواب عن الأول: أن النهي وإن كان في الأَصْلِ للتنزيه، لكنه قد يحمل على التحريم بدليل منفصل.

وعن الثاني: أن قوله تعالى: {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} أي: فتظلما أنفسكما بفعل ما الأولى بكما تركه؛ لأنكما إذا فعلتما ذلك أخرجتما من الجنّة التي لا تظمآن فيها، ولا تَضْحَيَان ولا تَجُوعان ولا تَقْرُبَان إلى موضع ليس فيه شيء من هذا.

وعن الثالث: أنا لا نسلم أن الإخراج من الجنّة كان لهذا السبب.

فصل في فحوى الآية

قال قوم قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هذه الشجرة} يفيد بِفَحْوَاهُ النهي عن الأكل؛ وفيه نظر لأن النهي عن القُربان لا يستلزم النهي عن الأَكْلِ؛ إذ ربما كان الصلاح في ترك قربها مع انه لو حمل إليه لجاز له أكله، بل الظاهر [إنما] يتناول النهي عن القرب.

وأما النهي عن الكل، فإنما عرف بدلائل أخرى وهي قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} [الأعراف: ٢٢] ولأنه حدث الكلام بالأكل فقال: {وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} فصار ذلك كالدّلَالَةِ على أنه تعالى نَهَاهُمَا عن أكل ثمرة الشَّجرة، لكن النهي بهذا القول يعم الكل، وسائر الانتفاعات، ولو كان نصّ على الأكل ما كان يعمّ ذلك، ففيه مزيد فائدة.

قوله: {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} فتكونا: فيه وجهان:

أحدهما: أن يكون مجزوماً عطفاً على «تَقْرَبا» ؛ كقوله: [الطويل]

٤٠٠ - فَقُلْتُ لَهُ: صَوِّبْ وَلَا تَجْهَدَنَّهُ ... فِيُدْرِكُ مِنْ أَعْلَى القَطَاةِ فَتَزْلَقِ

والثَّاني: أنه منصوب على جواب النَّهْي لقوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ} [طه: ٨١] والنصب بإضمار «أن» عند البَصْريين، وبالفَاءِ نفسها عند الجرمي، وبالخلاف عند الكوفيين. وهكذا كل ما يأتي مثل هذا.

و «الظَّالِمِينَ» خبر «كان» .

<<  <  ج: ص:  >  >>