وفي هذه الآية بُحُوثُ حَسَنَةٌ تتعلَّق بِعِلْم العربيَّة وعليْها تُبْنَى مَسَائل من» أصُول الدِّين «، وذلك أنَّ المُعْتَزِليَّ يقول:» مُجَرَّد الإيمان الصَّحيح لا يَكْفِي، بل لا بُد من انْضِمَام عمل يَقْتَرِن به ويُصَدِّقه «، واستدلَّ بظاهِرِ هذه الآية، وذلك كما قال الزَّمَخْشَرِيُّ:» لَمْ تَكُون آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ «صفة لقوله» نَفْساً «وقوله:» أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْراً «عُطِفَت على» آمَنَتْ «والمعنى: أنَّ أشْرَاط السَّاعَةِ إذا جاءت وهي آيات مُلْجِئَةٌ مُضْطَرَّةٌ، ذهب أوَانُ التَّكلِيف عِنْدَها؛ فلم يَنْفَعُ الإيمان حينئذٍ نَفْساً غيرَ مُقدِّمةٍ إيمانها قبل ظُهُور الآيَاتِ، أو مُقَدِّمَة إيمانها غير كَاسِبَةٍ خيراً في إيمانها؛ فلم يُفَرِّق كما ترى بين النَّفْس الكَافِرَة إذا آمنت إذا آمنت في غَيْر وقت الإيمان، وبَيْنَ النَّفْس التي آمَنَت في وقتِهِ ولم تكْسِبْ خيراً، ليعلم أن قوله:{الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات}[البقرة: ٢٥] جمع بين قَرِينَتَيْن، لا ينبغي أن تَنْفَكَّ إحدَاهما عن الآخْرَى حتى يَفُوزَ صَاحِبُها ويَسْعَد، وإلَاّ فالشقوة والهلاك.
وقد أجاب بَعْضُ النَّاس هذا الظَّاهر: بأن المَعْنَى بالآية الكريمة: أنَّه إذا أتَى بَعْض الأيَات، لا يَنْفَعُ نَفْساً كَافِرة إيمانُها الَّذِي أوْقَعَتْه إذ ذَلِك، ولا يَنْفَع نَفْساً سبق إيمانها وما كَسَبَت فيه خَيْراً، فق علَّق نضفْيَ نَفْع الإيمانِ بأحَدِ وَصْفِيْن: إمَّا نَفْيَ سَبْق الإيمان فقط، وإمَّا سَبْقُه مع نَفْي كَسْب الخَيْر، ومَفْهُومُه: أنَّه يَنْفَع الإيمان السَّابق وَحْدَه أو السَّابِق ومعهُ الخَيْر، ومَفْهُوم الصِفَة قَوِيٌّ. فَيُسْتدل بالآية لِمَذْهَب أهْل السُّنَّة، فقد قلبوا دَلِيلَهُم دليلاً عَلَيْهم.
وقد أجاب القَاضِي نَاصِر الدِّين بن المُنِير عن قول الزَّمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال» قال أحْمَد: هو يَرْوم الاسْتِدلال على أنَّ الكافر والعَاصي في الخُلُود سواءٌ، حيث سَوَّى في الآية بَيْنَهُما؛ في عدم الانْتِفَاع بما يَسْتَدْرِكَانِهِ بعد ظُهُور الآيات ولا يتم ذلك، فإنَّ هذا الكلام في البلاغة يُلَقَّبُ ب «اللَّفِّ» وأصلهُ: يَوْم يَأتِي بَعْض آيات ربِّك لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لم تكن مُؤمِنَة قبل إيمانِها بَعْدُ، لا نَفْساً لَمْ تَكْسِب خَيْراً قبل ما تَكْسِبُه من الخَيْر بَعْدُ، فَلَفَّ الكلامين؛ فجعلُهُمَا كلاماً واحداً إيجازاً وبلاغة، ويَظْهَرُ بذلك أنَّها لا تُخَالِفُ مذْهَب الحقِّ فلا يَنْفَعُ بَعْد ظُهُور الآياتِ اكتِسَاب الخَيْر، وإن نَفَع افيمان المُتقدِّم من الخُلُود، فهي بالرِّد على مَذْهبه أوْلى من انْ تَدلَّ له «.
الثاني: أن هذه الجُمْلَة في مَحَلِّ نَصب على الحالِ من الضَّمير المَجْرُور، قاله أبو البقاء، يعني: من «هَا» في إيمانِها.
الثالث: أن تكُون مُسْتَأنَفة. وبهذا بَدَأ أبو البقاء، وثنَّى بالحالِ، وجعل الوَصْف