الثاني: أن الموجود إمَّا واجبٌ لِذَاته وإمَّا ممكن لِذَاته، وثبت أن واجِبَ الوُجُود واحدٌ، وثبت أنَّ ما سِوَاه مُمْكِنٌ لذاته، وثَبَت أن المُمْكِن لذاته لا يُوجد إلَاّ بإيجَادِ الواجِبِ لذَاتِهِ، وإن كان الأمْر كذلك، كان اللَّه - تعالى - ربّاً بِكُلِّ شَيْء.
وإذا ثبت هذا، فَنقُول: صَرِيحُ العَقْل يَشْهَدُ بأنَّه لا يَجُوز جَعْلُ المرْبُوب شَريكاً للرَّبِّ، وجَعْل المَخْلُوق شريكاً للخَالِقن وهذا هو المُرَاد من قوله - تعالى -: {قُلْ أَغَيْرَ الله أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} .
قال ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - معنى ربّاً: أي سيِّداً وهُو رب كُلِّ شيء، وذلك أنَّ الكُفَّار كانوا يقُولون للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ارْجع إلى ديننا.
قال ابن عبَّاسٍ، قال الوليدُ بن المُغيرَة: اتبعُوا سبيلي، أحْمِل عَنْكُم أوْزَاركم، فقال اللَّه - تبارك وتعالى -: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَاّ عَلَيْهَا} ومعناه: أنَّ إثْمَ الجانِي عليه، لا على غيره «ولا تَزِرُ وَازرةٌ وزْرَ أخرَى» أي: لا يُؤاخَذُ أحدٌ بذَنْب غيره.
قال القُرْطُبيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأصْل الوِزْر: الثِّقَل، ومنه قوله - تعالى -: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الذي أَنقَضَ}[الشرح: ٢، ٣] وهو هنا: الذنب؛ كما قال - تعالى -: {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ}[الأنعام: ٣١] وقد تقدَّم قول الأخْفَش: يُقَال: وَزِر يَوْزَر، وَوَزَرَ يزر، وَوُزِرَ يُوزَر وِزْراً.
قيل: نَزلَتْ رداً على العرب في الجاهليَّة من مُؤاخَذَة الرَّجُل بِأبيه، وابْنِه، وابْنِه، وبجريرة حَلِيفِهِ.
قال القُرْطُبِي: يحتمل أنْ يكُون المُراد بِهَذَه الآية في الآخرة، وكذلك الَّتِي قَبْلَها، فأمَّا في الدنيا: فقد يُؤاخَذُ بعضُهم بِجُرْم بعضٍ، ولا سيَّما إذا لم يَنْه الطَّائع العَاصِي، كا تقدّم في حديث أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}[المائدة: ١٠٥] وقال تعالى -: {واتقوا فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}[الأنفال: ٢٥]{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: ١١] .
وقالت زَيْنَب بِنْت جَحْش:«يا رسُول الله، أنَهْلَكُ وفينا الصَّالِحُون؟ قال: نعم، إذا كَثُر الخَبَث» .
قال العلماء: معناه: أوْلاد الزِّنَّا، والخبيث بفتح البَاء: اسمٌ للزِّنَا، وأوْجَب اللَّه - تعالى - على لسان رسُوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - ديَة الخطأ على العَاقِلة، حتى لا يُطل دمُ المُسْلِمِ وذلك بالإجْمَاع؛ فَدَلَّ ذلك على ما قُلْنَاه. ثم بيَّن - تعالى - أنَّ رُجُوع هؤلاء