حبسها، ولولا الحابس لها لأفسدت الحرث والنسل وأما التراب فالخير والبركة [فيه] ، كلما قلب ظهرت بركته وخيره. فأين أحدهما من الآخر؟
وأيضا فإن الله تعالى أكثر ذكر الأرض في كتابه، وذكر منافعها وخلقها، وأنه جعلها:{مهادا}[النبأ: ٦] و {فراشا}[البقرة: ٢٢] و {بساطا}[نوح: ١٩] ، و {قرارا}[النمل: ٦١] و {كفاتا}[المرسلات: ٢٥] للأحياء والأموات ودعا عباده إلى التفكر فيها، والنظر في آياتها وعجائب ما أودع فيها، ولم يذكر النار إلا في معرض العقوبة والتخويف والعذاب إلا موضعا أو موضعين ذكرها بأنها {تذكرة ومتاعا للمقوين}[الواقعة: ٧٣] بذكره لنار الآخرة، ومتاعا لبعض أفراد الناس وهم المقوون النازلون بالمفازة، وهي الأرض الخالية إذا نزلها المسافر تمتع بالنار في منزله. فأين هذا من أوصاف الأرض. وأيضا فإن الله تعالى وصف الأرض بالبركة في مواضع من كتابه، وأخبر أنه بارك فيها، وقدر فيها أقواتها، وقال:{ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها}[الأنبياء: ٧١] ، {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها}[سبأ: ١٨]{ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها}[الأنبياء: ٨١] وأما النار فلم يخبر بأنه جعل فيها بركة أصلا بل المشهور أنها مذهبة للبركات مبيدة لها. فأين المبارك في نفسه من المزيل للبركة؟ وما حقها؟
وأيضا فإن الله - تبارك وتعالى - جعل الأرض محل بيوته التي يذكر فيها اسمه، ويسبح له بالغدو، والآصال، وبيته الحرام الذي جعله قياما للناس مباركا، وهدى للعالمين.
وأيضا فإن الله أودع في الأرض من المنافع، والمعادن، والأنهار والثمرات والحبوب، وأصناف الحيوان ما لم يرد في النار شيء منه إلى غير ذلك.
وأما المقدمة الثانية، وهي من كانت مادته أفضل فهو أفضل، فهذا محل النزاع، والبحث؛ لأنه لما كانت الفضيلة عطية من الله - تبارك وتعالى - ابتداء لم يلزم من فضيلة المادة فضيلة الصورة، ألا ترى أنه يخرج الكافر من المؤمن، والمؤمن من الكافر، والنور من الظملة والظلمة من النور، وذلك يدل على أن الفضيلة لا تحصل إلا بفضل الله، لا بسبب فضيلة الأصل والجوهر.
وأيضا، فالتكليف إنما يتناول الحي بعد انتهائه إلى حد كمال العقل فالمعتبر بما انتهى إليه لا بما خلق منه.
وأيضا فالمفضل إنما يكون بالأعمال، وما يتصل بها، لا بسبب المادة؛ ألا ترى أن الحبشي المؤمن مفضل على القرشي الكافر.