للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

و «مَا» تَحْتَمِلُ ثلاثةَ أوْجُهٍ:

أظهرها: أنَّهَا مَصْدَريَّةٌ أي: فَبِإغوائِكَ إيَايَ.

والثاني: أنَّها استفهاميَّةٌ يعني أنَّهُ اسْتَفْهَمَ عن السَّبب الذي إغواهُ به فقال: فبأيِّ شيءٍ من الأشْيَاءِ أغْوَيْتَنِي؟ ثم استأنَفَ جُمْلَةً أقْسَمَ فيها بقوله: «لأقْعُدَنَّ» وهذا ضعيفٌ عند بعضهم، أو ضرورةً عند آخرينَ من حيثُ أنَّ «مَا» الاسفتهاميَّة إذا جُرَّت حُذِفَتْ ألفُهَا، ولا تثبت إلَاّ في شذوذ كقولهم: عمَّا تَسْألُ؟ أو ضَرُورَةً كقوله: [الوافر]

٢٤١٢ - عَلَى مَا قَامَ يَشْتمُنِي لَئِيمٌ ... كَخِنْزير تَمَرَّغَ فِي رَمَادِ

والثالث: أنَّها شرطيةٌ، وهو قول ابن الأنْبَارِيِّ، ونَصُّهُ قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز أن يكون «مَا» بتأويل الشَّرْطِ، و «الباء» من صلة الإغواء، والفاءُ المضْمَرةُ جوابُ الشَّرْطِ، والتقديرُ: فبأي شيء أغويتني فلأقعدن لهم صراطَكَ؛ فتُضْمَرُ الفاءُ [في] جواب الشَّرْطِ كما تُضْمِرُهَا في قولك: «إلَى مَا أوْمَأتَ أنِّي قَابِلُهُ، وبما أمرت أني سامعٌ مطيعٌ» . وهذا الذي قاله ضعيف جدّاً، فإنَّهُ على تقدير صحَّةِ معناهُ يمتنعُ من حيث الصناعةُ، فإن فاء الجزاء لا تُحذف إلَاّ في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ كقوله: [البسط]

٢٤١٣ - مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا ... والشَّرُّ بالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلانِ

أيْ: فالله. وكان المبرد لا يُجَوَّز ذلك ضرورة أيضاً، وينشد البيت المذكور: [البسيط]

٢٤١٤ - مَنْ يَفْعَل الخَيْرَ فالرَّحْمَنُ يَشْكُرُهُ..... ... ... ... ... ... ... ... ... . .

فعلى قول أبي بكر يكونُ قوله: «لأقْعدنَّ» جواب قسم محذوف، وذلك القسَمُ المقدَّرُ، وجوابه جوابُ الشَّرْطِ، فيقدَّرُ دخول الفَاءِ على نفس جُمْلَةِ القَسَمِ مع جوابها تقديرُهُ: فبما أغْوَيْتَنِي فواللَّهِ لأقْعُدَنَّ. هذا يتمم مذهبه.

والإغواء إيقاع الغَيِّ في القَلْبِ أي: بما أوْقَعْتَ في قلبي من الغَيِّ والعِنَادِ والاستكبار وقد تقدَّمَ في البَقَرَة.

قوله: «صِرَاطكَ» في نَصْبِهِ ثلاثة أوْجُهٍ:

أحدها: أنَّهُ منصوبٌ على إسْقَاطِ الخَافِضِ.

قال الزَّجَّاج: ولا اختلاف بين النَّحءويين أنَّ «على» محذوفة كقولك: «ضَرَبَ زيد الظَّهْرَ والبطنَ، أي: على الظَّهْرِ والبَطْن» .

إلا أن هذا الذي قاله الزَّجَّاجُ - وإن كان ظاهِرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>