قالت المعتزلَةُ: قوله {إِنَّ الله لَا يَأْمُرُ بالفحشآء} إشارة إلى أنَّهُ لما كان موصوفاً في نفسه بكونه من الفحشاء؛ امتنع أن يأمر الله به، وهذا يقتضي أن يكون كونه في نفسه فحشاً مغايراً لتعلق الأمر والنَّهْيِ بِهِ.
والجوابُ: لما ثبت بالاستقراءِ أنَّهُ تعالى لا يأمرُ إلا بما يكون مصلحة للعباد ولا ينهى إلا عمَّا يكون مفسدة لهم، فقد صَحَّ هذا التَّعْلِيلُ.
قوله:{أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ} والمعنى أن قولكم: إنَّ اللَّه أمَرَكُمْ بهذه الأفعال إمَّا لأنكم سمعتم كلام اللَّهِ تعالى ابتداء من غير واسطة، أو عرفتم ذلك بطريقِ الوحي عن الأنْبِيَاءِ.
أما الأول: فباطل بالضَّرُورةِ.
وأما الثاني: فباطل على قولكم لأنَّكُم تنكرون نبوّة الأنبياءِ على الإطلاق لأن هذه المناظرة مع كُفَّار قُرَيْشٍ، وهم كانوا منكرين أصْلَ النُّبُوَّةِ، وإذا كان كذلك، فلا طريق لهم إلى تحصيل العلم بأحْكَامِ اللَّهِ تعالى، فكان قولهم: إنَّ الله أمرنا بها قولاً على اللَّه بما لا يَعْلَمُونَ، وإنَّهُ بَاطِلٌ.
قوله:{مَا لَا تَعْلَمُونَ} مفعول به، وهذا مفرد في قوة الجملة؛ لأنَّ ما لا يعلمون ممَّا يتقولونه على الله - تعالى - كلام كَثِيرٌ من قولهم:{والله أَمَرَنَا بِهَا} كتبحير البحائر وتسبيب السَّوائب، وطوافهم بالبيت عُراةً إلى غير ذلك حذف المفعول من قوله:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقسط}[الأعراف: ٢٩] .
فصل في دحض شبهة لنفاة القياس
استدلَّ بهذه الآية نفاةُ القياس؛ لأنَّ الحكم المثبت بالقياس مظنون غير معلوم وما لا يكون معلوماً لم يجز القول به لقوله تعالى في معرض الذَّمِّ:{أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ} وقد تقدَّم جوابٌ عن مثل هذه الدلالة.