إمَّا أنَّ «في» الأولى ليست للظَّرفية، بل للمعيّة، كأنَّهُ قيل: ادخلوا مع أممٍ أي: مصاحبين لهم في الدُّخول، وقد تأتي «في» بمعنى «مع» كقوله تعالى: {وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ في أَصْحَابِ الجنة} [الأحقاف: ٦١] .
وقول الشاعر: [الطويل]
٢٤٦٢ - شَمُوسٌ ودُودٌ فِي حَيَاءٍ وعِفَّةٍ ... رخِيمَةُ رَجْعِ الصَّوْتِ طَيِّبَةُ النَّشْرِ
وإمَّا بأن «في النَّار» بدل من قول «فِي أمَمٍ» وهو بدل اشتمال كقوله: {أَصْحَابُ الأخدود النار} [البروج: ٤، ٥] .
فإنَّ النَّار بدل من الأخدود، كذلك «في النَّارِ» بدل من «أمَمٍ» بإعاد العامل بدل اشتمال، وتكونُ الظرفية في [ «في» ] مجازاً؛ لأنَّ الأمم ليسوا ظروفاً لهم حقيقة، وإنَّما المعنى: ادخلوا في جملة أمَمٍ وغمارهم.
ويجوز أن تتعلّق «فِي أمَم» بمحذوف على أنَّهُ حال أي: كائنين في جملة أمم.
و «فِي النَّارِ» متعلّق ب «خلت» أي: تسبقكم في النَّارِ.
ويجوز أنْ تتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ صفة ل «أمَمٍ» فتكون «أمم» قد وصفت بثلاثة أوصاف:
الأولى: الجملة الفعليّة، وهي قوله «قَدْ خَلَتْ» .
والثاني: الجارّ والمجرور، وهو قوله: {مِن الجن والإنس} .
الثالث: قوله: «فِي النَّارِ» ، والتقدير: في أممٍ خالية من قبلكم كائنة من الجنِّ والإنس، ومستقرَّة في النَّارِ.
ويجوز أن تتعلَّق «فِي النَّار» بمحذوفٍ أيضاً، لا على الوَجْهِ المذكور، بل على كونه حالاً من «أمَمٍ» ، وجاز ذلك وَإنْ كانت نكرة لتخصُّصها بالوصفين المُشَار إليهما.
ويجوز أن يكون حالاً من الضَّميرِ في «خَلَتْ» ؛ إذ هو ضمير الأمَمِ، وقُدِّمت الجنُّ على الإنس؛ لانَّهم الأصل في الإغواء.
قوله: «كُلَّما دَخَلتْ» تقدَّم نظيرها، وهذه الجملة يحتمل أنتكون صفة ل «أمم» أيضاً، والعائد محذوفٌ أي: كلما دخلت أمة منهم أي: من الأمَمِ المتقدَّمةِ لعنت أمتها، والمعنى: أن أهل النّار يلعنُ بعضهم بَعْضاً، ويتبرَّأ بعضهم مِنْ بَعْضٍ كما قال تعالى: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَاّ المتقين}
[الزخرف: ٦٧] . والمرادُ بقوله أختها أي: في الدّين.
قوله: «حتَّى» هذه غاية لما قبلها، والمعنى: أنَّهُم يدخلون فضوْجاً فَوْجاً، لاعناً بعضهم لبعض إلى انتها تداركهم فيها.