الإنسانُ على أكل الخُبْزِ، وشرب الماء؛ لأنَّهُ إن كان شبعاناً في علم اللَّه فلا حاجة إلى أكل الخبز، وإن كان جَائِعاً فلا فائدة في أكل الخبز، وكما أنَّ هذا الكلامَ باطلٌ؛ فكذا فيما ذكروه، بل نقول: المقصودُ من الدُّعَاءِ معرفةُ ذلَّةِ العبوديَّة، ومعرفة عزِّ الرُّبوبيَّةِ، وهذا هو المقصودُ الأعلى من جميع العِبَادَاتِ؛ لأنَّ الدَّاعِي لا يقدم على الدُّعَاءِ إلا إذا عرف من نفسه كَوْنَهُ محتاجاً إلى ذلك المَطْلُوب، وكونه عَاجِزاً عن تحصيله، وعرف من ربِّه، وإلهه أنَّهُ يسمعُ دُعَاءهُ، ويعلم حاجته، وهو قادرٌ على دفع تلك الحاجة، فإذَا كان الدُّعَاءُ مستجمعاً لهذين المقامين كان الدُّعَاءُ أعظم العِباداتِ، ولهذا قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ:
«الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادةِ»
قوله:{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المعتدين} أجمع المُسْلِمُونَ على أنَّ المحبة صفة من صفات اللَّه - تعالى - واتَّفَقُوا على أن ليس معناها شهوة النفس وميل الطَّبْعِ، وطلب التَّلَذُّذِ بالشَّيء؛ لأنَّ كل ذلك في حقِّ الله - تعالى - محالٌ، واختلفوا في تفسير المحبَّة في حقِّ الله - تعالى - فقيل: هي عبارة عن إيصال الثَّوابِ، والخير إلى العبد، والمراد ب «المُعْتَدينَ» المجاوزين ما أمِرُوا به.
قال الكلبيُّ وابن جريج: من الاعتداء رَفْعُ الصَّوتِ في الدُّعَاءِ.
وقال أبُو مِجْلَزٍ: هم الذين يسألون منازل الأنْبِيَاءِ - عليهم الصلاة والسلام -.
روي أنَّ عبدَ الله بْنَ مُغفَّل سمع ابنه يقول: اللَّهُمَّ إني أسألك القَصْرَ الأبْيَضَ عن يمين الجَنَّةِ إذا دخلتها فقال: يا بني سل اللَّه الجَنَّةَ، وتعوَّذ به من النَّارِ، فإنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول: سَيَكُونَ فِي هَذِهِ الأمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ في الظُّهُورِ والدُّعَاءِ.
وقال عَطِيَّةُ: هم الَّذين يدعون على المُؤمنينَ، فيما لا يحل فيقولون:«اللَّهُمَّ أخْزِهم اللَّهُمَّ الْعَنْهُم» .