للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[الأول] : أن في قصَّة نُوحٍ: «فقال يا قَوْم» بالفاء، وهنا قال بغير فاء، فالفرق أنَّ نُوحاً - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - كان مواظباً على دعوتهم، وما كان يؤخر الجواب عن شبهاتهم لحظة واحدة، وأما هودٌ فلم يبلغ إلى هذا الحدِّ؛ فلا جرم جاء بفاء التعقيب في كلام نُوح دون كلام هود.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: فإن قُلْتَ: لم حذف العَاطِف من قوله [قال يا قوم] ولم يقل «فقال» كما في قِصَّةِ نوح.

قلت: هو على تَقْدير سُؤالِ سائلٍ قال: فما قال لهم هود؟ فقيل: له: «قال يا قوم» .

الثاني: قال في قصة نوح: {مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: ٥٩] .

وهنا قال: «أَفَلَا تَتَّقُونَ» ، والفرقُ بينهما أنَّ قبل نوح لم يظهر في العالم مثل تلك الواقعةِ العظيمةِ، وهي الطُّوفَانُ العظيم، فلا جرم أخبر نُوحٌ عن تلك الواقعة فقال: {إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} .

وأمّا واقعة هود - عليه السَّلامُ - فقد سبقتها واقعة نوح، وكان عهد النَّاسِ بتلك الواقعة قريباً، فلا جرم قال: «أفَلَا تَتَّقُونَ» أي: تعرفون أنَّ قوم نوح لمَّا لم يتقوا الله ولم يطيعوه أنْزل بهمْ ذلكَ العذاب الذي اشتهر خَبَرُهُ في الدُّنْيَا، فكان ذلك إشَارَةً إلى التَّخْوِيفِ بتلك الوَاقِعَةِ.

الثالث: قال في قصَّة نُوحٍ {قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ} [الأعراف: ٦٠] .

وقيل: في هود: {قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ} فوصف الملأ بالكُفْرِ، ولم يُوصَفُوا في قصَّة نوح، والفرقُ أنَّهُ كان في أشْرَاف قوم هُودٍ مَنْ آمنَ بِهِ مِنْهُم مرْثَدُ بْنُ سَعْدٍ أسْلَمَ، وكان يكتمُ إيمانَهُ بخلاف قَوْم نُوحٍ، لأنَّه لم يؤمن منهم أحَدٌ.

قاله الزَّمخشريُّ وغيره، وفيه نَظَرٌ لقوله تعالى: {لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَاّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦] وقال: {وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلَاّ قَلِيلٌ} [هود: ٤٠] ويحتمل أنَّ حال مخاطبة نُوحٍ لقومِهِ لم يُؤمِنْ منهم أحَدٌ بعدُ ثمَّ آمنوا، بخلاف قصَّةِ هود فإنَّهُ حال خطابهم كان فيهم مُؤمن ويحتملُ أنها صفة لمُجَرَّدِ الذَّمِّ من غير قَصْدِ تميزٍ بها.

الرابع: حكي عن قَوْم نُوح قولهم: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} وحكي عن قوم هُود قولهم: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} [الأعراف: ٦٦] الفرقُ أنَّ نُوحاً خوف الكُفَّارَ بالطُّوفانِ العام وكان مشتغلاً بإعْدَادِ السَّفينةِ، فلذلك قالوا: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} حيثُ تُتْعِبُ نَفْسَكَ في إصلاح سفينة كبيرةٍ في مفازة ليس فيها قَطْرَةٌ من المَاءِ، ولم يظهر شيءٌ من العلامات تدلُّ على ظهورِ المَاءِ في تلك المَفَازة.

وأمَّا هود فلم يذكر شيئاً إلا أنه زَيَّفَ عبادة الأوثان، ونسب من اشتغل بعبادتها إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>