ثم قال:«لعلَّكُم تُفْلِحُونَ» فلا بُدَّ هاهنا من إضمار؛ لأنَّ الصَّلأاح الذي هو الظَّفر بالثَّواب لا يحصل بمجرد التذكر، بل لا بدّ من العمل، والتقدير: فاذكروا آلاء اللَّهِ واعملوا عملاً يليق بذلك الإنعام لعلّكم تفلحون.
قوله:«لِنَعْبُدَ» متعلق بالمجيء الذي أنكروه عليه.
واعلم أنَّ هوداً - عليه السلام - لما دعاهم إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالدَّلِيل القاطع، وهو أنَّهُ بيَّن أنَّ نعم الله عليهم كثيرة والأصنام لا نعمة لها؛ لأنَّهَا جمادات، والجمادُ لا قُدْرَةَ له على شَيْءٍ أصلاً - لم يكن للقوم جوابٌ عن هذه الحُجَّةِ إلا التمسك بالتَّقْليد فقالُوا:{أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} فأنكروا عليه أمره لهم بالتَّوحيد، وترك التقليد للآباء، وطلبوا منه وقوع العذاب المشار إليه بقوله:«أفَلَا تَتَّقُونَ» وذلك أنَّهُم نسبوه إلى الكذب، وظنُّوا أنَّ الوعيد لا يتأخر، ثم قالوا:{فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} جوابه محذوف أو متقدِّم ب «ما» ، وذلك لأنَّ قوله:{اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} مشعر بالتَّهْديد والتّضخويف بالوعيد، فلهذا قالوا:{فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ} .
قوله:{إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} جوابه محذوف أو مُتَقَدِّم، وهو فأت به.
واعلم أنَّ القوم كانُوا يتقدون كذبه لقولهم:{وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} فلهذا قالوا: {فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين}[الشعراء: ٣١] وإنَّما قالُوا كذلِكَ لظنهم أن الوعيد لا يجوز أن يتأخر، فعند ذلك قال هود - عليه السلام -: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ} ، أي: وجب عليكم.
فصل في تفسير هذه الآية
قال القَاضِي: تفسير هذه الآية على قولنا ظاهر؛ لأنَّ بعد كفرهم وتكذيبهم