قوله: {قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} .
قد كثر إيلاءُ هذه اللَّفظة العوامل، فهي جارية مَجْرَى «الأبْطح» و «الأبْرَقِ» في عدم ذكر موصوفها.
وقوله: «مِن ربِّكُمْ» يحتمل أن يتعلق ب «جَاءَتْكُمْ» و «مِنْ» لابتداء الغايةِ مجازاً، وأنْ تتعلق بمحذوف؛ لأنَّها صفةٌ بيِّنة، ولا بدَّ من حذف مُضاف، أي: من بينات ربكم ليتصادق الموصوف وصفته.
وهذا يدلُّ على أنَّ كُلَّ شيءٍ كان يذكر الدلائل على صحَّةِ التَّوْحيدِ، ولم يكتف بالتَّقْلِيدِ، وإلَاّ كان ذكر البينة - وهي الحجة - هاهنا لغواً.
قوله: {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} أضاف النَّاقة إليه على سبيل التفضيلِ، كقولك: بيت الله، وروح الله؛ لأنَّهَا لم تتوالد بين جمل وناقة، بل خَرَجَتْ من حَجَرٍ.
و «آيَةً» نصبَ على الحال؛ لأنَّها بمعنى العلامة، والعاملُ فيها إمَّا معنى التنبيه، وإما معنى الإشارةِ، كأنَّهُ قال: أنبهكم عليها، وأشير إليها في هذه الحال.
ويجوزُ أن يكون العامل مُضْمَراً تقديرُهُ: انظروا إليها في هذه الحال، والجملة لا محلَّ لها؛ لأنَّها كالجواب لسُؤالٍ مقدَّر، كأنهم قالوا: أين آيتك؟ فقالك هذه ناقةُ الله.
وقوله: «لَكُم» أي: أعني لكم به، وخصّوا بذلك، لأنَّهُم هم السَّائِلُوهَا، أو المنتفعون بها من بين سَائِرِ النَّاسِ لو أطاعوا.
ويحتمل أن تكون «هَذِه نَاقَةُ الله» مفسرة لقوله: «بَيِّنَةٌ» ؛ لأنَّ البَيِّنَةَ تستدعي شيئاً يتبين به المدعى، فتكون الجملة في محل رفع على البدل، وجاز إبدالُ جملة من مفرد؛ لأنَّهَا في قوته.
فصل في إعجاز الناقة
اختلفوا في وجه كون النَّاقة آيةً:
فقال بعضهم: «كانت آية بسبب خروجها بكمالها من الصخرة» .
قال القاضي: إن صحَّ هذا فهو معجزٌ من جهاتٍ:
أحدها: خروجها من الجَبَلِ.
والثانية: كونها لا من ذَكَرٍ وأنثى.
والثالثة: كمالُ خَلْقِها من غير تَدْرِيجٍ.
وقيل: إنّضما كانت آية؛ لأجل أنَّ لها شرب يوم، ولجميع ثمود شرب يوم، واستيفاء ناقةِ شرب أمَّة من الأمَمِ عجيب.