و «على» للاستعلاء، وقد علا ذلك المكان، و «في» للحلول، وقد حلّ ذلك المكان.
و «تُوعَدُونَ» ، و «تَصُدُّون» ، و «تَبْغُونَ» هذه الجمل أحوال [أي] : لا تَقْعُدُوا مُوْعدين وصادِّين وباغين.
ولم يذكر الزعد له لِتَذْهَبَ النَّفسُ كلَّ مذهبٍ: ومفعول «تصدُّون»«مَنْ آمَن» .
قال أبُو البقاء:«مَنْ آمَنَ» مفعول «تَصُدُّونَ» لا مفعول «تُوعدُونَ» ، إذْ لو كان مفعولاً للأوَّل لقال:«تَصُدُّونَهُم» ، يعني أنَّه لو كان كذلك لكانت المسألة من التَّنازع، وإذا كانت من التنازع وأعْمَلْتَ الأولَ لأضْمَرْتَ في الثاني فكنت تقول:«تَصُدُّونهم» لكنه ليس القرآن كذا، فدل على أن «تُوعَدُونَ» ليس عاملاً فيه، وكلامُه يحتمل أنْ تكون المسألة من التَّنازع - يكون ذلك على إعمال الثاني، وهو مختار البصريين وحذف من الأوَّل - وألَاّ تكون وهو الظَّاهِر.
وظاهرُ كلام الزمخشري: أنَّهَا من التَّنَازُع، وأنَّهُ من أعمال الأوَّل، فإنَّهُ قال: فإن قلت: إلَامَ يَرْجِعُ الضَّميرُ في «من آمَنَ بِهِ» ؟
قلتُ: إلى كلِّ صراطٍ، تقديره: تُوْعِدون من آمن به وتَصُدُّون عنه، فوضعَ الظَّاهِر الذي هو «سبيل الله» موضع المضمر زيادة في تقبيح أمرهم.
قال أبو حيَّان:«وهذا تعسُّف وتكلُّفٌ مع عدم الاحتياج إلى تقديم وتأخير، ووضع ظاهر موضع مضمر، إذ الأصل خلاف ذلك كُلَّهِ، ولا ضرورة تَدْعُوا إليه، وأيضاً فإنَّهُ من أعمال الأوَّل وهو مذهب مَرْجُوحٌ، ولو كان من إعمال الأوَّلِ لأضمر في الثاني وُجُوباً، ولا يجوز حذفهُ إلا في ضرورة شعرٍ عند بعضهم [كقوله] : [مجزوء الكامل]
فأعمل» يُغشي «ورفع به» شُعَاعه «وحذفَ الضمير من» لَمَحُوا «تقديره: لمحوه، وأجازه بعضهم بقلةٍ في غير الشِّعْرِ.
والضَّمير في» به «: إمَّا لكل صراط كما تقدَّم عن الزمخشريِّ، وإمَّا على الله للعلم به، وإمَّا على سبيل الله، وجاز ذلك؛ لأنَّهُ يذكَّر ويُؤنَّثُ، وعلى هذا فقد جمع بين الاستعمالين هنا حيث قال:» به «فذكَّر، وقال:» وتَبْغُونها عِوَجاً «فأنَّث، ومثله:{قُلْ هذه سبيلي}[يوسف: ١٠٨][وقد تقدَّم] نحو قوله: {تَبْغُونَهَا عِوَجاً}[آل عمران: ٩٩] في آل عمران.