استدل أهل السنة بهذه الآية على أنه تعالى قد يشاء الكفر، واستدل المعتزلة بها على أنه لا يشاء إلا الخير.
فأمّا وجه استدلال اهل السنة فمن وجهين:
الأول: قوله: {إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} [يدل على أن المنجي من الكفر هو الله - تعالى -، ولو كان الإيمان يحصل بخلق العبد، لكانت النجاة من الكفر تحصل للإنسان من نفسه لا من الله تعالى وذلك على نقيض قوله {إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} ] .
الثاني: أن معنى الآية أنه ليس لنا أن نعود إلى ملتكم إلا أن يشاء الله أن يعيدنا إلى تلك الملة، وتلك الملة كفر، فكان هذا تجويزاً من شعيب - عليه السلام - أن يعيدهم إلى الكفر.
قال الواحدي: ولم تزل الأنبياء والأكابر يخافون العاقبة وانقلاب الأمر؛ ألا ترى إلى قوله الخليل - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: {رَبِّ اجعل هذا البلد آمِناً واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام}[إبراهيم: ٣٥] وكان محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول: «يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ والأبْصَارِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلى دِيْنِكَ وطاعَتِكَ» . وقال يوسف - عليه السلام -: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً}[يوسف: ١٠١] وأجاب المعتزلة بوجوه:
أحدها: أن قوله: «ما لنا أن نعود إلى تلك الملة إلا أن يشاء [الله] أن يعيدنا إيها قضية [شرطية، وليس فيها بيان أنه تعالى شاء ذلك أو ما شاء.
وثانيها: أن هذا مذكور على طريق التبعيد] كما يقال: لا أفعل ذلك إلَاّ إذا ابيضّ القَارُ وشاب الغراب، فعلّق شعيب - عليه السلام - عوده إلى ملتهم على مشيئته بما علم أنه لا يكون منه ذلك أصلاً على طريق التبعيد لا على وجه الشرط.
وثالثها: قوله: {إِلَاّ أَن يَشَآءَ الله} ليس فيه بيان أن الذي يشاء الله ما هو؟ فنحمله على أن المراد إلا أن يشاء الله بأن يظهر الكفر من أنفسنا إذ أكرهتمونا عليه بالقتل، وذلك لأن عند الإكراه على إظهار الكفر من أنفسنا إذ أكرهتمونا عليه بالقتل، وذلك لأن عند الإكراه على إظهار الكفر بالقتل يجوز إظهاره، وما كان جائزاً كان مراداً لله - تعالى -، وكون الصبر أفضل من الإظهار لا يخرج الإظهار من أن يكون مراداً لله - تعالى -