للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} يغنون: بمعنى يقيمون يقال: غَنِي بالمكان يَغْنى فيه أي: أقام دهراً طويلاً، والمغاني المنازل التي كانوا فيها واحدها مغنى، وقيَّده بعضهم بالإقامة في عيش رغد، فهو أخصُّ من مطلق الإقامة؛ قال الأسَودُ بْنُ يَعْفُرَ: [الكامل]

٢٥٢٦ - وَلَقَدْ غَنَوْا فِيهَا بأنْعَمِ عِيشَةٍ ... فِي ظِلِّ مَلْكٍ ثَابتِ الأوْتَادِ

وقيل: معنى اآية هنا من الغِنَى الذي هو ضد الفقر، قاله الزجاج وابن الأنباري وتابعهما ابن عطية؛ وأنشدوا: [الطويل]

٢٥٢٧ - غَنِيَا زَمَاناً بالتَّصَعْلُك والغِنَى ... [كما الدَّهرُ في أيَّامِهِ العُسْرُ واليُسْرُ]

كَسَبْنَا صُرُوفَ الدَّهْرِ لِيناً وغلْظَةً ... وكُلاًّ سَقَانَاهُ بِكأسمهما الدَّهْرُ

قالوا: معناه استغنينا ورضينان فمعنى {كأن لم يغنوا فيها} كأن لم يعيشوا فيها مستغنين.

قال ابن الخطيب: فعلى هذا التفسير شبّه الله - تعالى - حال هؤلاء المكذبين بحال من من لم يكن قط في تلك الديار قال الشاعر: [الطويل]

٢٥٢٨ - كأن لم يَكُنْ بَيْنَ الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بَلَى نَحْنُ كُنَّا أهْلَهَا فأبَادَنَا ... صُرُوفُ اللَّيَالِي والحُدُودُ العَواثِرُ

وقدّر الراغب غني بمعنى الإقامة بالمكان إلى معنى الغنى الذي هو ضد الفقر فقال: {وغني ي مكان كذا إذا طال مقامه فيه مُسْتَغْنِياً به عن غيره «.

قوله: {الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الخاسرين} كرر قوله: {الذين كذبوا شعيباً} تعظيماً لذمهم وتعظيماً لما يستحقون من الجزاء، والعرب تكرر مثل هذا في التعظيم والتفخيم، فيقول الرجل لغيره:» أخوك الذي ظلمنا، أخوك الذي أخذ أموالنا، أخوك الذي هنا أعرضانا «، ولمَّا قال القوم: {لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون} بيَّن الله - تعالى - أن الذين لم يتبعوه وخافوه هم الخاسرون، وقد تقدم الكلام على قوله:» فتولّى عنهم «في أن التولي بعد نزول العذاب أو قبله.

قال الكلبي:» لم يعذب قوم نبي حتى أخرج من نبيهم «.

<<  <  ج: ص:  >  >>