لمَّا عرَّفنا أحوال هؤلاءِ الأنْبِيَاءِ، وما جرى على أمَمِهِمْ كان من الجَائزِ أن يُظَنَّ أنَّهُ تعالى ما أنزل عذاب الاستئِصَالِ إلاّ في زمن هؤلاء الأنبياء فَقَطْ؛ فَبَيَّنَ في هذه الآيَةِ أنَّ هذا الهلاكَ قد فعلهُ بغيرهم، وبيَّن العِلَّة الَّتي فعل بها ذلك فقال:{وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَاّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأسآء والضرآء} ، وفيه حذفٌ وإضمار وتقديره:«من نَبِيّ فَكَذَّبُوهُ، أو فكذبه أهْلُهَا» . وذكر القريةَ؛ لأنَّهَا مجتمع القوم، ويَدْخُلُ تحت هذه اللَّفْظَةِ المدينة؛ لأنَّهَا مجتمع الأقْوَامِ.
قوله:«إلَاّ أخَذْنَا» هذا استثناءٌ مفرَّغٌ، و «أخَذْنَا» في محلِّ نَصْبٍ [على الحَالِ] والتَّقديرُ: وما أرْسَلْنَا إلَاّ آخذين أهلها، والفِعْلُ الماضي لا يقعُ بعد «إلَاّ» إلَاّ بأحد شرطين: إمَّا تقدُّم فعل كهذه الآية، وإمَّا أن يصحب «قَدْ» نحو: ما زيد إلَاّ قد قَامَ، فلو فُقِد الشَّرْطان امتنع فلا يجوز: ما زيد إلَاّ قام.
قوله:{بالبأسآء والضرآء} .
قال الزَّجَّاجُ:«البَأسَاءُ: كلُّ ما ينالم من الشِّدَّةِ في أحوالهم، والضراء: ما ينالهم من الأمْرَاضِ» .
وقيل:«على العكس» .
وقال ابْنُ مسعود:«البَأسَاءُ: الفقر، والضَّرَّاءُ: المَرَضُ» .
وقيل:«البَأسَاءُ في المال، والضَّرَّاءُ في النَّفْسِ» .