كثرة النِّعم فتوهموا أنَّهُم على الحقِّن فذكرها الله - تعالى - لقوم محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - ليحترزوا عن مثل تلك الأعمال، ثم قال: {وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} .
قوله: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ} الظَّاهِرُ أنَّ الضَّمائرَ عائدة على أهل القرى.
وقال يمان بن رئاب: «إنَّ الضميرين الأوَّلين لأهل القرى، والضَّميرُ في» كذَّبُوا «لأسْلافِهم. وكذا جوَّزهُ ابن عطية أيضاً أي:» فما كان الأبناء ليؤمِنُوا بما كذَّب به الآباء «، وقد تقدَّم الكلامُ على لام الجُحُودِ، وأنَّ نفي الفِعْلِ معها أبْلَغُ.
و» ما «موصولة اسميَّة، وعائدها مَحْذُوفٌ؛ لأنَّه مَنصوبٌ متَّصل أي: بما كذبوه [ولا يجوز أن يقدر به وإن كان الموصول مجرورا بالباء أيضاً لاختلاف المتعلقن وقال هنا» بما كذبوا «] فلم يذكر متعلق التكذيب، وفي» يونس «ذكره فقال: {بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ} [يونس: ٧٤] ، والفرق أنَّهُ لمَّا حذفه في قوله:
{ولكن
كَذَّبُواْ} [الأعراف: ٩٦] أستمرّ حذفه بعد ذلك، وأمَّا في يونس فقد أبرزه في قوله: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ} [يونس ٧٤] .
{كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} [يونس: ٧٣] فناسب ذكره موافقة قال معناه الكرمَانِيّ.
فصل في معنى «ما كانوا ليؤمنوا»
قال ابن عباس والسُّدِّيُّ: «فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا عن إرسالي بما كذبوا به يوم أخذنا مِيثاقَهُم حين أخرِجُوا من ظهر آدم فآمنوا كرهاً وأقرُّوا باللِّسانِ وأضمروا التَّكذيب» .
وقال الزَّجَّاجُ: «فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤيةِ تلك المعجزات بما كَذَّبُوا قبل رؤية المُعْجِزَاتِ» .
وقيل: معناه ما كانوا لو أحييناهم بعد إهلاكهم ورددناهم في دار التكليف ليؤمنوا بما كذَّبُوا به قبل إهلاكهم، ونظيره قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨] .
[وقيل: إنه قبل مجيء الرسول كانوا مصرين على الكفر فهؤلاء ما كانوا ليؤمنوا بعد مجيء الرسل] وقيل: ليؤمنوا في الزَّمانِ المستقبل
قوله: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين} .
قال الزَّجَّاجُ: والكاف في «كذلك» في محلِّ نصب [أي: مثل ذلك الطبع على قلوب أهل القرى المنتفي عنهم الإيمان يطبع الله على قلوب الكفرة الجانين] .
قوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: ١٠٢] .
قوله «لأكْثَرِهِمْ» فيه وجوه: