«فإذَا» فجائية وقد تقدَّم أنَّ فيها مذاهبَ ثلاثةً:
ظرف مكان، أو زمان، أو حرف.
وقال ابن عطية هنا:«وإذَا ظرف مكان في هذا الموضع عند المبرِّد من حيثُ كانت خبراً عن جثة، والصَّحيحُ الذي عليه النَّاسُ أنَّهَا ظَرْفُ زَمَانٍ في كلِّ مَوْضِعٍ» .
قال شهابُ الدِّين:«والمشهورُ عند النَّاسِ قول المبردِ، وهو مذهب سيبويه» .
وأمَّا كونها زماناً فهو مَذْهَبُ الرِّيَاشي، وعُزِيَ لسيبويه أيضاً.
وقوله:«من حيث كانت خبراً عن جثَّة» ليست هي هنا خبراً عن جُثَّة، بل الخبرُ عن «هي» لفظ «ثُعْبَان» لا لَفْظ «إذا» .
والثُّعْبَانُ هو ذَكَرُ الحيَّاتِ العظيم، واشتقاقُه من ثَعَبْتُ المكان أي: فجَّرْتُه بالمَاءِ، شُبِّه في انسيابه بأنْسِيَابِ الماء، يقال: ثَعَبْتُ الماءَ فجَّرْتُه فانْثَعَبَ. ومنه مَثْعَبُ المطر، وفي الحديث:«جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَجَرْحُهُ يَثْعَبُ دماً»
فصل
فإن قيل إنَّهُ وصفها هنا بكونها ثُعْبَاناً، وهو العظيمُ الهائل الخلق، وفي موضع آخر يقول:{كَأَنَّهَا جَآنٌ}[النمل: ١٠] ، والجان من الحيَّاتِ الخفيف الضّئيل الخلق، فكيف الجَمْعُ بين هاتين الصّفتين؟
وقد أجاب الزَّمَخْشَرِيُّ في غير هذا المكان بجوابين:
أحدهما: أنَّهُ يجمع لها بين الشيئين: أي كبر الجُثَّةِ كالثُّعْبَانِ وبين خفَّةِ الحركة، وسرعة المشي كالجَان.
والثاني: أنَّها في ابتداء أمرها تكون كالجَان، ثمَّ يتعاظمُ ويتزايد خلقها إلى أن تصير ثُعْبَاناً.
وفي وصف الثُّعبانِ بكونه مُبيناً وجوه:
أحدها: أنُّهُ تمييز ذلك عمَّا جاءت به السَّحرَة من التمويه الذي يلتبسُ على من لا يعرف سببه.