وقيل: احبسه وأخاه، وهو قول قتادة والكَلْبِي، وهذا ضعيف لوجهين:
أحدهما: أنَّ الإرجاء في اللُّغَةِ هو التَّأخير لا الحبس.
والثاني: أنَّ فرعونَ ما كان قادراً على حبس موسى بعد أنْ شاهد العصا فأشاروا عليه بتأخير أمره وترك التَّعَرُّضِ إليه بالقتل.
قوله:{وَأَرْسِلْ فِي المدآئن حَاشِرِينَ} .
» فِي المَدَائِنِ «متعلق ب» أرْسِلُ «، و» حَاشِرينَ «مفعول به، ومفعول» حَاشِرِين «محذوفة أي: حاشرين السَّحَرة، بدليل ما بعده.
و» المَدائِنُ «جمع مَدينَةٍ، وفيها ثلاثُة أقوال:
أصحها: أنَّ وزنها فعيلة فميمها أصلية وياؤها زائدة مشتقة من مَدُنَ يَمْدُنُ مدوناً أي قام، واستدلَّ لهذا القول بإطْبَاقِ القراء على همز مدائن كصحيفة وصحائف، وسفينة وسفائن، والياء إذا كانت زائدة في الواحد همزت في الجمع كقبائل وقبيلة، وإذا كانت من نفس الكلمةِ لم تهمز نحو: معايش ومعيشة، [ولو كانت مفعلة لم تهمز نحو: مَعِيشَةِ ومعايش ولأنَّهُم جمعوها أيضاً على مُدنٍ كقولهم سفينةٍ وسُفُنٍ وصُحُفٍ] .
قال أبُو حيَّان:» ويقطعُ بأنَّها فعيلة جمعهم لها على فعل قالوا: مدن كما قالوا صُحْفٌ في صحيفة «.
قال شهابُ الدِّين:» قد قال الزجاجي: المدن في الحقيقةِ جمع المدين، لأنَّ المدينة لا تُجْمَععْ على مُدُن ولكن على مدائن ومثل هذا سفن كأنهم جمعوا سفينة على سفين ثم جمعوه على سفن «ولا أدري ما حمله على جعل مدن جمع مدين، ومدين جمع مدينة مع اطَّراد فُعُل على فَعِيلَةٍ لا بمعنى مفعولة، اللهم إلا أن يكون قد لحظ في مدينة أنَّهَا فعيلة بمعنى مفعولة؛ لأنَّ معنى المدينةِ أن يمدن فيها أي يقام، ويُؤيِّدُ هذا ما سيأتي أنَّ مدينة وزنها في الأصْلِ مديونة عند بعضهم.
القول الثاني: أن وزنها مفعلة من دَانَهُ يَدِينُهُ أي ساسه يَسُوسُهُ، فمعنى مدينة أي مَمْلُوكَة ومسوسة أي مَسُوسٌ أهلها من دانهم ملكهم إذا سَاسَهُم، وكان ينبغي أن يجمع على مداين بصريح الياء كمعايشَ في مشهور لُغَةِ العَرَبِ.
الثالث: أن وزنها مفعولة، وهو مَذْهَبُ المبرِّد قال: «هي من دَانَهُ يَدينُهُ إذا ملكه