قال شهابُ الدِّين: «وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنَّ ذلك قد يأتي في موضع لا زَجْرَ فيه، ولأنَّ كتابتها متصلة ينفي كون كلٍّ منهما كلمةً مستقلة» .
وقال قومٌ: إنَّهَا مركَّبةً من «مَهْ» بمعنى اكفف و «مَن الشَّرطيَّةِ» ؛ بدليل قول الشاعر: [الطويل]
٢٥٥٨ - أماوِيَّ مَهْمَنْ يَسْتَمِعْ في صديقِهِ ... أقَاوِيلَ هذا النَّاسِ مَاوِيَّ يَنْدَمِ
فأبْدِلَتْ نونُ «مَنْ» ألفاً كما تبدل النُّونُ الخفيفة بعد فتحة، والتَّنوين ألفاً، وهذا ليس بشيء بل «مَهْ» على بابها من كونها بمعنى: اكْفُفْ، ثم قال: مَنْ يستمعُ.
وقال قوم: بل هي مركَّبة مِنْ «مَنْ» و «مَا» فأبدلت نونُ «مَنْ» هاءً، كما أبدلوا من ألف «ما» الأولى هاءً، وذلك لمؤاخاة مَنْ ما في أشياء، وإن افترقَا في شيء واحد، ذكره مكيٌّ.
ومَحَلُّهَا نصبٌ أو رفعٌ، فالرَّفعُ على الابتداء وما بعده الخبر، وفيه الخلافُ المشهورُ هل الخبرُ فعلُ الشَّرْط أو فعلُ الجزاء أو هما معاً؟ والنَّصْبُ من وجهين:
أظهرهما: على الاشتغال ويُقَدَّرُ الفعلُ متأخراً عن اسم الشَّرْطِ، والتقديرُ: مَهْمَا تُخْضِر تَأتِنَا، ف «تَأتِنَا» مُفَسِّرة ل تُحَضر، لأنَّهُ من معناه.
والثاني: النصبُ على الظرفية عند مَنْ يَرَى ذلك، وقد تقدَّم الرَّدُّ على هذا القول، والضَّميرانِ من قوله بِهِ و «بِهَا» عائدان على «مَهْمَا» ، عاد الأوَّلُ على اللَّفظ، والثاني المعنى، فإنَّ معناها الآية المذكورة، ومثله قول زُهَيْرٍ: [الطويل]
٢٥٥٩ - وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِىءٍ مِنْ خَلِيقةٍ ... وإنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ
ومثله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦] فأعَادَ الضَّمير على «ما» مؤنثاً، لأنَّهَا بمعنى الآية.
وقوله: «فَمَا نَحْنُ» يجوز أن تكون «ما» حجازيةً أو تميميةً والباءُ زائدةٌ على كلا القولين، والجملةُ جوابُ الشَّرْطِ فمحلّها جزم.
فصل
قال ابْنُ عباس، وسعيد بن جبير وقتادة ومحمد بن إسحاق: