ظهر أثر التَّجلي والرُّؤية للجبل اندكّ؛ فدل ذلك على تعظيم أمر الرُّؤيةِ.
فصل
وقال الزمخشريُّ: فإن قلت: كيف اتَّصل الاستدراكُ في قوله: ولكِن انظرْ.
قلت: اتَّصَلَ به على معنى أنَّ النَّظر إليَّ محالٌ فلا تطلبه، ولكن اطلب نظراً آخر، وهو أن تنظر إلى الجبل.
وهذا على رأيه من أنَّ الرُّؤية محالٌ مطلقاً في الدُّنيا، والآخرة.
قوله: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} : عَلَّقَ الرُّؤية على استقرار الجبل، واسترقار الجبل على التَّجلي غير مستحيل إذا جعل الله له تلك القوة، والمعلق بما لا يستحيل لا يكون محالاً.
قوله {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} : قال الزَّجَّاجُ: «تَجَلَّى» أي: «ظهر وبان» .
ومنه يقالُ: جلوتُ العروس إذا أبْرَزْتهَا، وجلوتُ السَّيف والمرآة: إذا أزلت ما عليهما من الصَّدَأ. وهذا البجل أعظم جبل بمدين يقال له: زبير.
قال ابن عباس: ظهر نُور ربِّهِ للجبل.
قوله: «جَعَلهُ دَكّاً» قرأ الأخوان «دَكَّاءَ» بالمدِّ، غير منوَّن، على وزن «حمراء» والباقون بالقصر والتَّنوين، فقراءةُ الأخوين تحتمل وجهين:
أحدهما: أنَّها مأخوذةٌ من قولهم: «ناقةٌ دَكَّاء» أي: منبسطة السَّنَام، غير مرتفعة، والمعنى جعله مستوياً. وإما من قولهم: أرض دكاء للناشزة روي أنَّهُ لم يذهب كله، بل ذهب أعلاه.
وأمَّا قراءةُ الجماعة ف «الدَّكُّ» مصدر واقع موقع المفعول به بمعنى المدكوك، أي: مَدْكوكاً، أو من دكَّ، أو على حذف مضاف أي ذا دَكّ، والمعنى: جلعه مدقوقاً والدَّك والدَّقّ واحد، وهو تفتيت الشيء وَسَحْقُهُ.
وقيل: تسويته بالأرض.
في انتصابه على القراءتين وجهان، أشهرهما: أنَّهُ مفعولٌ ثان ل «جَعَلَ» بمعنى: صَيَّرَ.
والثاني - وهو رأي الأخفش -: أنَّهُ مصدرٌ على المعنى، إذ التقدير: دَكَّهُ دَكّاً، وأما على القراءة الأولى فهو مفعول فقط أي صيره مثل ناقة دكاء أو الأرض دكاً.
وقرأ ابنُ وثَّاب دُكّاً بضم الدَّالِ والقصر، وهو جمع دَكَّاء بالمد، ك: حُمْر في حمراء، وغُرّ في غَرَّاء أي: جعله قِطَعاً.