وفي مفعول «كتبنا» ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنَّهُ «موعِظَةً» ، أي: كتبنا له مَوْعِظَةٌ وتفْصِيلاً. و {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} على هذا فيه وجهان، أحدهما: متعلِّقٌ ب «كَتَبْنَا» والثاني: أنَّهُ متعلِّقٌ بمحذوف؛ لأنَّهُ في الأصلِ صفةٌ ل «مَوْعِظَةً» فلمَّا قُدِّم عليها نُصِبَ حالاً، و «لِكُلِّ شيءٍ» صفة ل «تفصيلاً» .
والثاني: أنَّهُ {مِنْ كُلِّ شَيْءً} .
قال الزمخشريُّ {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} في محل نصب مفعول «كَتَبْنَا» ، و «مَوعِظَةً وتفْصِيلاً» بدل منه، والمعنى: كَتَبْنَا له كُلَّ شيءٍ كان بنو إسرائيل يَحْتَاجُونَ إليه في دينهم من المواعظِ، وتفصيل الأحكامِ وتفصل الحلالِ والحرامِ.
الثالث: أنَّ المفعول محل المجرور.
وقال أبُو حيَّان - بعد ما حكى الوجه الأول عن الحوفي والثَّاني عن الزمخشري -: ويُحْتَمَلُ عندي وجهٌ ثالثٌ، وهو أن يكونَ مفعولُ «كَتَبْنَا» موضع المجرور، كما تقولُ:«أكلت من الرغيف» و «مِنْ» للتبعيض، أي: كتبنا له أشياء من كُلِّ شيء، وانتصب «مَوْعظَةً وتَفْصِيلاً» على المفعول من أجله، أي: كتبنا له تلك الأشياءَ للاتِّعاظِ وللتفصيل.
قال شهابُ الدِّينِ:«والظَّاهِرُ أنَّ هذا الوجه هو الذي أراده الزَّمخشري، فليس وجهاً ثالثاً» .
قوله:«بِقُوَّةٍ» حالٌ: إمَّا من الفاعل، أي: ملتبساً بقوة، وإمَّا من المفعول، أي: ملتبسه بقوة، أَي: بقوَّةِ دلائلها وبراهينها، والأول أوضح. والجملةُ من قوله:«فَخُذْهَا» يُحتمل أن تكون بدلاً من قوله {فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ} وعاد الضَّميرُ علىمعنى «ما» لا على لفظها. ويحتمل أن تكونَ منصوبة بقول مضمر، ذلك القولُ منسوقٌ على جملة «كَتَبْنَا» والتقدرُ: وكتبنا فقلنا: خُذْهَا، والضَّميرُ على هذا عائدٌ على الألواحِ أو على التَّوراةِ، أو على الرِّسالاتِ، أو على كُلِّ شيءٍ؛ لأنَّهُ في معنى الأشياء.
قال القرطبيُّ:«فكأنَّ اللَّوحَ تلوح فيه المعاني. ويقال: رجل عظيم الألواح إذا كان كبيرَ عظم اليدين،» والرِّجليْنِ «.
فصل
قال الكلبيُّ: خَرَّ مُوسَى صَعِقاً يوم الخميس يوم عرفة، وأعطي التَّوراة يوم الجمعةِ يوم النَّحر، واختلفوا في عدد الألواح وجوهرها فقيل: كانت عشرة، وقيل سبعة.