للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

و «أحسن» يجوز أن تكون للتَّفضيل على بابها، وأن لا تكون بل بمعنى «حَسَنَة» .

كقول الفرزدق: [الكامل]

٢٥٧٢ - إنَّ الذي سَمَكَ السَّماءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتاً دَعَائِمُهُ أعَزُّ وأطْوَلُ

أي: عزيزةٌ طويلةٌ.

فإن قيل: إنَّه تعالى لمَّا تعهد بكلِّ ما في التَّوراة، وجب أن يكون الكلُّ حسناً.

وقوله: {يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا

} يقتضي أن يكون فيه ما ليس بأحسن، وأنَّهُ لا يجوزُ لهم الأخذ به وهو متناقض.

وأجابُوا بوجوه: منها: أنَّ تلك التَّكاليفَ منها ما هو حسن، ومنها ما هو أحسن كالقصاص والعفو، والانتصار، والصبر، أي: فمرهم أن يأخُذُوا بالأفضل فإنَّه أكثر ثواباً، لقوله: {واتبعوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} [الزمر: ٥٥] وقوله: {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}

[الزمر: ١٨] .

قالوا: فيحمل الأخذ بالأحسن على النَّدب.

ومنها: قال قُطْرُبٌ:

{يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} أي: بحسنها، وكلها حسن؛ كقوله تعالى: {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: ٤٥] وأنشد بيت الفرزدق المتقدم. ومنها: أن الحسن يدخلُ تحته الواجب، والمندوب، والمباح وأحسن هذه الثلاثة: الواجبُ، والمندوبُ.

قوله: {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} جَوَّزُوا في الرُّؤية هنا أن تكون بصريَّةً، وهو الظَّاهِرُ فتتعدَّى لاثنين، أحدهما: ضمير المخاطبين، والثاني: دَارَ.

والثاني: أنَّها قلبية، وهو منقولٌ عن ابن زيد وغيره، والمعنى: سأعْلِمُكُمْ سَيْرَ الأولين وما حَلَّ بهم من النَّكَالِ: وقيل: «دَارَ الفاسِقِينَ» ما دَارَ إليه أمرهم، وذلك لا يُعْلم إلا بالإخبار والإعلام.

قال ابءنُ عطيَّة - معترضاً على هذا الوجه -: ولَوْ كَانَ من رؤية القلب، لتعدَّى بالهمزة إلى ثلاثةِ مفاعيل.

ولو قال قائلك المفعولُ الثالثُ يتضمنه المعنى، فهو مُقَدَّرٌ أي: مذمومة أو خربة أو مُسَعَّرة - على قول من قال: إنَّهَا جهنم - قيل له: لا يَجُوزُ حذفُ هذا المفعولِ، ولا الاقتصارُ دُونَهُ، لأنَّهَا داخلةٌ على الابتداءِ والخبرِ، ولو جُوِّزَ لكان على قبح في اللِّسان، لا يليق بكتاب الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>