محذُوف، والتقديرُ، اتَّخذوا العجل إلهاً ومَعْبُوداً، يدلُّ على هذا المحذوف قوله تعالى: {فَقَالُواْ هاذآ إلهكم وإله موسى} [طه: ٨٨] وللمفسرين ههنا طريقان: أحدهما: المراد بالذين اتَّخَذُوا العجل قوم موسى، وعلى هذا فيه سؤال هو أن أولئك القوم تَابَ اللَّهُ عليهم: بأن قتلوا أنفسهم في معرض التَّوْبَةِ على ذنبهم، وإذا تاب الله عليهم فكيف قيل في حقِّهم: {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا} ؟ ويُجاب عنه بأن ذلك الغضب إنَّما حصل في الدُّنْيَا لا في الآخرة، وهو أنَّ اللَّهَ أمرهم بقتل أنفسهم والمُرَادُ بقوله: {وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا} هو أنَّهُمْ قد ضَلُّوا فَذُلُّوا.
فإن قيل: السِّينُ في قوله سَيَنالُهُمْ للاستقبال، فكيف يحمل هذا على حكم الدُّنيا؟
فالجواب: وأخره في ذلك الوقت أن سَيَنالُهُمْ غضبٌ من ربهم وذلَّةٌ، فكان هذا الكلامُ سابقاً على وقوعهم في القَتْل وفي الذِّلأَّة فَصَحَّ هذا التَّأويل.
الطريق الثاني: أنَّ المُرادَ بالذين اتَّخَذُوا العجلَ أبناؤهم الذين كانوا في زمن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعلى هذا فيه وجهان: أحدهما: أنَّ العرب تعير الأبناء بقبائح أفعال الآباء كما يفعل ذلك في المناقبِ؛ يقولون للأبناء فعلتم كذا وكذا، وإنَّمَا فعل ذلك أسلافهم كذلك ههنا.
قال عطيَّةً العوفيُّ: أراد بهم اليهود الذين كانوا في عصر النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، عَيَّرهُم بصنع آبائهم ونسبه إليهم، ثمَّ حكى عليهم بأنَّهُ: {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ} في الآخرةِ: {وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا} أراد: ما أصَابَ بني قريظة والنَّير من القتل والجلاء.
وقال ابنُ عبَّاسٍ: هي الجزية.
الوجه الثانيك أن يكون التقديرُ: «إنَّ الذينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ» أي الذين باشرُوا ذلك سَيَنالُهُمْ أي: سينال أولادهم، ثم حذف المضاف لدلالة الكلام عليه.
ثمَّ قال: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين} أي: ومثل ذلك النِّيل والغضب والذِّلّة «نَجْزِي المُفْترينَ» الكاذبين.
قال أبُو قلابة: «هو واللَّه جزاء كلِّ مفترٍ إلى يوم القيامة أن يذلَّه اللَّهُ» .
وقال سفيان بنُ عيينة: «هذا في كل مبتدع إلى يوم القيامة» .
وقال مالكُ بْنُ أنسٍ: «ما من مُبْتَدع إلَاّ ويجدُ فوق رأسه ذِلَّة» .
قوله: {والذين عَمِلُواْ السيئات} مبتدأ وخبره قوله إنَّ ربَّكَ إلى آخره. والعائد محذوف، والتقدير: غفورٌ لهم ورحيم بهم، كقوله: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} [الشورى: ٤٣] أي منه.
قوله: مِنْ بَعْدِهَا يجوز أن يعود الضمير على السّيِّئاتِ، وهو الظاهر، ويجوز أن يكون عائداً على التوبة المدلول عليها بقوله: «ثُمَّ تَابُوا» أي: من بعد التوبة.