وقوله: {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى} هذه الجملة في محلِّ نصب على الحال من الألوَاح، أو من ضمير مُوسَى والأوَّلُ أحسنُ. وهذا عبارةٌ عن النَّقْلِ والتَّحويل فإذا كتب كتاب عن كتاب حرف بعد حرف قلبت نُسخَةُ ذلك الكتاب، كأنَّك نقلت ما في الأصل إلى الكتاب الثاني.
قال ابنُ عبَّاسٍ: لمَّا ألقَى موسى الألواح فتكسّرت صام أربعين يوماً، فأعَادَ اللَّهُ الألواح وفيها نفس ما في الألواح، فعلى هذا قوله» وفِي نُسْخَتِهَا «أي:» وفيما نسخ منها «وإن قلنا: الألواح لم تنكسر، وأخذها موسى بأعيانها؛ فلا شك أنَّها مكتوبة من اللَّوح المحفوظ فهي نسخ على هذا التقدير.
وقوله:» هُدىً ورَحْمَةٌ «أي: هدى من الضلالة، ورحمة من العذاب.
قوله: «لِلَّذِين» متعلق بمحذوف؛ لأنه صفةٌ لرَحْمَة أي: رحمة كائنة للَّذين، يجوزُ أن تكون اللَاّم لامَ المفعول من أجله، كأنَّه قيل: هُدىً ورحمةٌ لأجْلِ هؤلاء، وهُمْ مبتدأ ويَرْهَبُونَ خبره، والجلمةُ صلة الموصول.
قوله: لِررَبِّهم يَرْهَبُونَ. في هذه اللَاّم أربعةُ أوجُهٍ: أحدها أنَّ اللَاّم مقوية للفعل لأنَّهُ لمَّا تقدَّم معمولُه ضَعُفَ فقوي باللَاّم كقوله: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: ٤٣] وقد تقدَّم أنَّ اللَاّم تكونُ مقويةً حيث كان العاملُ مؤخراً أو فرعاً نحو: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٧] ولا تُزَادُ في غير هذين إلا ضرورةً عند بعضهم؛ كقول الشاعر: [الوافر]
٢٥٨٦ - ولمَّا أنْ تَواقَفْنَا قَليلاً ... أنَخْنَا لِلكَلاكِلِ فَارْتَمَيْنَا
أو في قليل عند آخرين؛ كقوله تعالى: {رَدِفَ لَكُم} [النمل: ٧٢] .
والثاني: أنَّ اللَاّم لامُ العلَّةِ وعلى هذا فمفعولُ يَرْهَبُونَ محذوفٌ، تقديره: يرهبون عقابه لأجله، أي لأجل ربهم لا رياء ولا سمعة وهذا مذهب الأخفش.
الثالث: أنَّها متعلقةٌ بمصدرٍ محذوف، تقديره: الذين هم رهبتهم لربهم.
وهو قول المُبَرِّدِ وهذا غيرُ جارٍ على قواعد البصريين، لأنَّهُ يَلْزَمُ منه حذَفُ المصدر، وإبقاءُ معموله، وهو ممتنعٌ إلَاّ في شعرٍ، وأيضاً فهو تقدير مخرج للكلام عن فصاحته.
الرابع: أنَّخا متعلقةٌ بفعلٍ مُقَدِّرٍ أيضاً، تقديره: يخشعون لربَّه. وذكرهُ أبُوا البقاء، وهو أولى مِمَّا قبله.
وقال ابْنُ الخطيبِ: قد يزادُ حرفُ الجرِّ في المفعول، وإن كان الفعل متعدياً، كقوله: قرأتُ في السُّورة وقرأ السُّورة، وألْقَى يَدَهُ «وألقى بيده» ، قال تعالى {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ