فصل
ذكروا أنَّ مُوسَى - عليه الصَّلاة والسَّلام - اختار من قومه اثني عشر سبطاً من كل سبط ستة؛ فاصرُوا اثنين وسبعين.
فقال: ليتخلف منكم رجلان؛ فتشاجروا.
فقال: إنَّ لمن قعد منكم أجر مَنْ خرج، فقعد كالب ويوشع.
وروي أنَّهُ لم يجد إلَاّ ستين شيخاً، فأوْحَى الله إليه أن يختار من الشَّبابِ عشرةً، فاختارهم، فأصبحوا شيوخاً فأمرهم اللَّهُ أن يصوموا، ويتطهروا ويطهروا ثيابهم، ثم خرج بهم إلى الميقات.
واختلفوا في هذا الاختيار هل هو الخروج إلى ميقات الكلام، وسؤال موسى ربَّه عن الرؤيّةِ أو للخروج إلى موضع آخر؟
فقال بعضً المُفَسِّرِينَ: إنَّهُ لميقات الكلامِ وطلب الرُّؤية.
قالوا: إنَّهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خرج بهؤلاء السبعين إلى طور سيناء، فلما دَنَا موسى من الجبل وقع عليه عمود من الغمام حتى أحاط بالجبل كله ودنا موسى، ودخل فيه.
وقال للقوم: ادنُوا، فدنوا فلما دخلوا الغمام وقعوا سجداً، فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه، ثم انكشف الغمام وأقبلوا إليه.
وقالوا: {ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة} [البقرة: ٥٥] وهي الرَّجفة المذكورة ههنا.
فقال موسى: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهآء مِنَّآ} [الأعراف: ١٥٥] وهو قولهم {أَرِنَا الله جَهْرَةً} [النساء: ١٥٣] .
وقيل: المراد من هذا الميقات غير ميقات الكلام، وطلب الرُّؤيةِ، واختلفوا فيه.
فقيل: إنَّ قوم موسى لمَّا عَبَدُوا العجل ثم تَابُوا أمر الله تعالى موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - أن يجمع السَّبعين ويحضروا موضعاً يظهرون فيه تلك التَّوْبة، فأوحى اللَّهُ تعالى إلى تلك الأرضِ، فرجفت بهم فعند ذلك قال موسى: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ} ، وإنَّمَا رجفت بهم الأرض لوجوه.
أولها: أنَّ هؤلاء السبعين وإن كانُوا ما عبدُوا العجل، إلَاّ أنهم ما فارقُوا عبدة العجل عن اشتغالهم بعبادة العجل.
وثانيها: أنَّهم ما بالغُوا في النهي عن عبادة العجل.
وثالثها: أنَّهُم لمَّا خرجوا إلى الميقاتِ ليتوبوا دعوا ربهم وقالوا: اعْطِنَا ما تُعْطِه