و «هِيَ» ضميرٌ يُفَسِّره سياقٌ الكلام إذ التقديرُ: إنْ فَتنتُهُمْ إلَاّ فِتنَتُكَ. وقيل يعندُ على مسألة الإرادة من قوله: {أَرِنَا الله جَهْرَةً} [النساء: ١٥٣] أي: إنَّهُ من مسألة الرُّؤيةِ.
قوله: {عذابي أُصِيبُ بِهِ} مبتدأ وخبر. والعامَّةُ على «مَنْ أشَاءُ» بالشِّينِ المعجمةِ.
وقرأ زيدُ بن علي، وطاووس، وعمرو بن فائد «أسَاءُ بالمهملة.
قال الدَّانِي: لا تصحُّ هذه القراءة عن الحسن، ولا عن طاووس، وعمرو بن فائد رجل سَوْءَ واختار الشَّافعيُّ هذه القراءة، وقرأها سفيان بْنُ عيينة، واستحسنها فقام عبد الرَّحْمنِ المقرىء فصاح به وأسمعه.
فقال سفيانُ:» لَمْ أفطِنْ لِمَا يقولُ أهل البدع «. يعني عبد الرحمن أنَّ المعتزلة تعلَّقُوا بهذه القراءة في أنَّ فعل العَبْدِ مَخْلُوقٌ لهُ، فاعتذرَ سفيان عن ذلك.
ومعنى الآية: إنِّي أعذبُ مَنْ من أشَاءُ، وليس لأحدٍ عليَّ اعتراض {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} أي: أنَّ رحمته في الدُّنيا تعُمُّ الكل، وأمَّا في الآخرةِ فهي مختصة بالمؤمنين لقوله هنا {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} وهذا من العام الذي أريد به الخاص كقوله {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣] .
قال عطيَّةُ العوفي:» وَسِعَتُ كُلَّ شيءٍ «ولكن لا تَجِب إلَاّ للمُتَّقينَ، وذلك أنَّ الكافر يرزق ويدفع عنه ببركة المؤمن، لسعة رحمةِ الله للمؤمن، فإذا صار للآخرة وجبت للمؤمن خاصة كالمستضيء بنار غيره إذا ذهب صاحب السِّراج بسراجه.
قال ابنُ عباس وقتادة وابن جريج: لما نزلت: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} قال إبليس أنا من ذلك الشيء فقال الله: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة والذين هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} فتمنَّاها اليهودُ والنصارى. وقالوا: نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن فجعلها اللَّهُ لهذه الأمَّة بقوله {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي} [الأعراف: ١٥٧] .
واعلم أنَّ جميع التَّكاليف محصورة في نوعين:
الأول: المتروك وهي الأشياء التي يجب على الإنسان تركها، وهو المُرادُ بقوله:» للَّذينَ يتَّقُونَ «.
والثاني: الأفعال، وهي إمَّا أن تكون في مال الإنسان أو في نفسه، فالأول: هو الزكاة وهو المراد بقوله» ويُؤتُونَ الزَّكاةِ «والثاني يدخل فيه ما يجب على الإنسان علماً وعملاً أمَّا العلمُ فالمعرفةُ، وأمَّا العملُ فالإقرارُ باللسان والعمل بالأركان، فيدخل فيه