قوله يَجِدُونَهُ الظَّاهرُ أنَّ هذه متعديةٌ لواحد؛ لأنَّها اللُّقْيَة، والتقدير: يَلْقونَهُ أي: يلقَوْنَ اسمه ونعته مَكْتُوباً؛ لأنَّهُ بمعنى: وُجْدَانِ الضالَّة، يكون مَكْتُوباً حالاً من الهاء في يَجِدُونَه.
وقال أبُو عيِّ:«إنَّهَا متعدية لاثنين، أوَّلهما: الهاءُ» .
والثاني:«مَكْتُوباً» .
قال «ولا بدّ من حذف هذا المضاف، أعني قوله: ذكره، أو اسمه» .
قال سيبويه:«تقولُ إذا نظرت في هذا الكتاب: هذا عمرو، وإنَّما المعنى هذا اسم عمرو، وهذا ذِكْر عمرو وقال مجاهد وهذا يجوزُ على سعةِ الكلامِ» .
قوله {عِندَهُمْ فِي التوراة} . هذا الظَّرف، وعديلُه كلاهما متعلِّقٌ ب «يَجِدُونَ» ، ويجوزُ - وهو الأظهر - أن يتعلَّقا ب «مَكْتُوباً» أي: كُتِبَ اسمُهُ ونَعْتُهُ عندهم في توراتهم وإنجيلهم.
قوله يَأمُرُهُم فيه ستة أوجه: أحدها: أنَّهُ مستأنف؛ فلا محلَّ له حينئذ، وهو قول الزجاج. والثاني: أنَّهُ خبر ل «الّذينَ» قاله أبُو البقاءِ: وقد ذُكِرَ، أي: وقد ذكره فيه ثمَّة. الثالث: أنَّهُ منصوبٌ على الحال من الهاء في يَجِدُونَهُ، ولا بدَّ من التَّجوز في ذلك، بأن يُجْعَلَ حالاً مقدرة، وقد منع أبو عليِّ أن يكون حالاً من هذا الضَّمير.
قال: لأنَّ الضمير للاسم والذِّكْرِ، والاسم والذِّكر لا يأمران يعني أن الكلام على حذف مضاف كما مر؛ فإن تقديره:«يجدون اسمه، أو ذكره» ، والذكر أو الاسم لا يأمران، إنما يأمر المذكور والمسمَّى.
الرابع: أنه حال من النَّبِيِّ. الخامس: أنَّهُ حال من الضَّمير المُسْتكِن في «مَكْتُوباً» . السادس: أنَّهُ مُفَسِّر لِ «مَكْتُوباً» أي: لِمَا كُتِبَ، قاله الفارسي. قال:«كَمَا فَسَّرَ قوله {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ}[المائدة: ٩][النور: ٥٥][الفتح: ٢٩] بقوله: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[المائدة: ٩] ، وكما فسَّر المثل في قوله تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ}[آل عمران: ٥٩] بقوله: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ}[آل عمران: ٥٩] .
وقال الزَّجَّاجُ هنا: ويجوزُ أن يكون المعنى: يجدونه مكتوباً عندهم أنَّهُ يأمرهم بالمعروف وعلى هذا يكون الأمرُ بالمعروف، وما ذُكِر معه من صفته التي ذُكِرت في الكتابين، وقد استدرك أبُو علي هذه المقالة، فقال: لا وجه لقوله:» يجدونه مكتوباً عندهم أنَّهُ يأمرهم بالمعروف «إن كان يعني أنَّ ذلك مرادٌ؛ لأنَّهُ لا شيء يَدُلُّ على حذفه، ولأنَّا لا نعلمهم أنهم صدقوا في شيء، وتفسير الآية أنَّ» وجدت «فيها تتعدَّى لمفعولين فذكر نحو ما تقدم عنه.
قال شهابُ الدِّينِ: وهذا الردُّ تحاملٌ منه عليه؛ لأنَّهُ أراد تفسير المعنى وهو تفسير حسن.