للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فصل

قال القرطبيُّ: استدلَّ بهذه الآية على أنَّ مَنْ مات صغيراً دخل الجنَّة لإقراره في الميثاق الأول ومنْ بلغ لمْ يُغنِهِ الميثاق الأول.

قوله «مِنْ ظُهُورهِمْ» بدل من قوله: «مِن بَنِي آدَمَ» بإعادةِ الجارِّ، كقوله: {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} [الزخرف: ٣٣] {لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: ٧٥] وهل هو بدلُ اشتمال أو بدلُ بعض من كل؟ قولان:

الأول لأبي البقاء، والثاني للزمخشري، وهو الظاهر كقولك: ضربتُ زيداً ظهره وقطعتُه يده، لا يُعْرِب هذا أحد بدل اشتمالٍ، و «ذُرِّيَتَهُمْ» مفعول به.

وقرأ الكوفيون وابن كثير ذُرِّيتهُمْ بالإفراد، والباقون «ذُرِّيَّاتهم» بالجمع.

قال أبو حيان: ويحتمل في قراءة الجمع أن يكون مفعولُ «أخذ» محذوفاً لفهم المعنى وذُرِّيَّاتهم بدلٌ من ضمير «ظُهُورِهِمْ» كما أنَّ من ظُهُورِهِمْ بدلٌ من بَنِي آدَمَ والمفعولُ المحذوفُ هو الميثاق كقوله: {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً} [النساء: ١٥٤] .

قال: وتقديرُ الكلامِ: وإذ أخذ ربُّكَ من ظهور ذُرِّيات بني آدم ميثاق التوحيد لله، واستعارَ أن يكون أخذ الميثاق من الظهر كأن الميثاق لصعوبته والارتباط به شيءٌ ثقيلٌ يحمل على الظَّهْرِ.

وكذلك قرأ الكوفيُّون وابن كثير في سورة يس، وفي الطُّورِ في الموضعين ذُرِّيَّتَهُم بالإفراد؛ وافقهم أبو عمرو على ما في يس، وناف وافقهم في أول الطور، وهي ذُرِّيَّتَهُم بإيمانٍ دون الثانية، وابن عامر على الجمع، وأبو عمرو ونافع جمعوا بين الأمرين.

قال أبو حيان في قراءة الإفراد في هذه السُّورةِ: ويتعيَّن أن يكون مفعولاً ب «أخذ» وهو على حذف مضاف، أي: ميثق ذريتهم. يعني أنه لم يَجُزْ فيه ما جازَ في ذُرِّيَاتهم من أنَّه بدل، والمفعولُ محذوف وذلك واضحٌ؛ لأنَّ من قرأ: «ذُرِّيَّتَهُمْ» بالإفراد لم يَقْرَأهُ إلَاّ منصوباً، ولو كان بدلاً من هُمْ في ظُهُورِهِمْ لكان مجرورً، بخلاف ذُرِّيَّاتهم بالجمع فإنَّ الكسرة تَصْلُح أن تكون علامة للجر وللنصب في جمع المُؤنَّثِ السَّالمِ.

قال الواحديُّ: الذرية تقع على الواحِدِ والجمع، فمنْ أفردَ فقد استغنى عن جمعه بوقوعه على الجمع كالبشر فإنه يقع على الواحد، كقوله: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: ٣١] وعلى الجمع، كقوله: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: ٦] {إِنْ أَنتُمْ إِلَاّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم: ١٠] فكما لم يجمع «بشر» جمع تصحيح، ولا تكسير كذلك لا يجمع «الذريَّة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>