للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لسانه ويخرجه لأجل ما تمكَّن في قلبه من حرارة الحرصِ وشدَّة العطشِ إلى الفوز بالدُّنْيَا، فكانت حاله شبيهةً بحالة ذلك الكلب الذي أخرج لسانه دائماً من غير حاجة، ولا ضرورة، بل لمجرَّدِ الطبيعة الخسيسة.

والثالث: أنَّ الكلبَ اللَاّهث لا يزولُ لهثه ألْبتةَ، فكذلك الإنسان الحريص لا يزول حرصه ألبتة.

قوله: {ذَّلِكَ مَثَلُ القوم} يجوز أن يُشارَ ب: ذَلِكَ إلى صفة «الكَلْبِ» ، ويجوز أن يشار به إلى المنسلخ من الآيات، أو إلى الكلب، وأداةُ التَّشبيه محذوفةٌ من ذلك أي: صفة المنسلخ، أو صفة الكلبِ مثل الَّذين كَذَّبُوا، ويجوزُ أن يكون المحذوفُ من: «مثلُ القومِ» أي: ذلك الوصف، وهو وصف المنسلخ، أو وصف الكلب كمثل القوم.

فصل

واعلمْ أنَّهُ تعالى عمَّ بهذا التَّمثيل جميع المكذبين بآيات الله.

قال ابنُ عبَّاسٍ: يريد أهل مكَّة لأنهم كانوا يتمنون هادياً يهديهم، ويدعوهم إلى طاعة الله، فلمَّا جاءهم نبيٌّ لا يشكُّونَ في صدقه كذَّبوه، فلم يهتدوا، وبقُوا على الضَّلالِ في كل الأحوالِ، إن وعظته فهو ضالٌّ، وإن تركتهُ فهو ضالٌّ، مثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث، وإن تركته على حاله يلهث فهو لاهث في كل الأحوال.

ثم قال: «فاقْصُصِ القَصَصَ» أي: قصص الذين كَفَرُوا، وكذَّبُوا بآياتنا: «لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون» أي: يتَّعِظُون.

قوله: «سَاءَ مثلاً» «سَاءَ» بمعنى: بِئْسَ «، وفاعلها مضمرٌ فيها، ومثلاً تمييزٌ مفسِّر له، وقد تقدم [النساء ٣٨] أنَّ فاعل هذا الباب إذا كان ضميراً يُفَسَّر بما بعده ويُسْتَغْنَى عن تثنيته وجمعه وتأنيثه بتثنية التمييز وجمعة وتأنيثه عند البصريين، وتقدَّم أنَّ» سَاءَ «أصلها التَّعدِّي لمفعولٍ، والمخصوصُ بالذم لا يكون إلا من جنسِ التمييز، والتمييز مُفَسِّر للفاعل فهوهو، فلزم أن يصدق الفاعلُ والتمييزُ والمخصوص على شيءٍ واحدٍ، إذا عُرِف هذا فقوله:» القَوْمُ «يرُ صادقٍ على التمييز والفاعل فلا جرم أنَّه لا بدَّ من تقدير محذوف إمَّا من التَّمييز، وإمَّا من المخصوص.

فالأوَّلُ يقدَّر: ساء أصحابُ مثل أو أهلُ مثل القوم، والثاني يقدر: ساء مثلاً مثل القوم، ثم حذف المضاف في التقديرين، وأقيم المضافُ إليه مُقامه، وهذه الجملةُ تأكيدٌ للَّتي قبلها.

وقرأ الحسنُ والأعمشُ وعيسى بن عمر:» سَاءَ مثلُ القَوْمِ «برفع» مثل «مضافاً للقوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>