لمَّا ذكر إعراضهُم عن الإيمان، بيَّن ههنا علَّة إعراضهم.
فقال:{مَن يُضْلِلِ الله فَلَا هَادِيَ لَهُ} وهذه الآيةُ تدلُ على أنَّ الهُدى والضلال من الله تعالى كما سبق في الآيةِ المُتقدمة وتأويلات المعتزلة والأجوبة عنها.
قوله:«ويَذَرْهُمْ» قرأ الأخوان بالياء وجزم الفعل، وعاصم وأبو عمرو بالياء أيضاً، ورفع الفعل، ونافع وابن كثير وابن عامر بالنُّون ورفع الفعل أيضاً، وقد رُوي الجزمُ أيضاً عن نافع، وأبي عمرو في الشواذ.
فالرفعُ من وجهٍ واحدٍ، وهو الاستئناف، أي: وهو يذرهم، ونحن نذرهم، على حسب القراءتين، وأمَّا السُّكونُ فيحتمل وجهين:
أحدهما: أنه جزم نسقاً على محلِّ قوله: {فَلَا هَادِيَ لَهُ} ؛ لأنَّ الجملةَ المنفيَّة جوابٌ للشرط فهي في محلِّ جزم فعطف على محلِّها وهو كقوله تعالى:{وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقرآء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ}[البقرة: ٢٧١] بجزم «يُكَفّر» ؛ وكقول الشاعر:[الكامل]
قال: حمل «أسْتَدرِجْ» على موضع الفاء المحذوفة، من قوله: لَعَلِّي أصَالِحُكُمْ.
والثانيك أنه سكونُ تخفيف، كقراءة أبي عمرو {يَنصُرْكُمُ}[آل عمران: ١٦٠] و {يُشْعِرْكُمْ}[الأنعام: ١٠٩] ونحوه، وأمَّا الغيبة فجرياً على اسم الله تعالى، والتَّكلم على الالتفات من الغيبة إلى التَّكلم تعظيماً ويَعْمَهُونَ مترددون متحيرون.