وقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هذه الشجرة} [البقرة: ٣٥] والمرادُ نوعها لا شخصها فكذا ههنا.
{وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي: وخلق من نوع الإنسان زوجٍ آدم، أي: جعل زوج آدم إنساناً مثله، «فلمَّا تَغشَّاهَا» أي واقعها وجامعها: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً} وهو أوَّلُ ما تحمل المرأة من النُّطفةِ يكون خفيفاً عليها: «فَمَرَّتْ بِهِ» أي: استمرَّت به، وقامت وقعدت به لم يثقلها.
قوله حَمْلاً المشهورُ أنَّ الحَمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة، وبالكسر ما كان على ظهر أو رأس غير شجرة. وحكى أبُو عُبيدٍ في حمل المرأةِ: حَمْل وحِمْل.
وحكى يعقبوُ في حمل النَّخْلةِ: الكسر، والحمل في الية يجوزُ أن يُرادَ به المصدرُ فينتصب انتصابهُ، وأن يُرادَ به نفسُ الجنين، وهو الظَّاهِرُ، فينتصب انتصابَ المفعُولِ به، كقولك: حَمَلْتُ زيداً.
قوله: «فَمَرَّتْ» الجمهور على تشديد الراء، أي: استمرت به، أي: قامت وقعدت.
وقيل: هو على القلب أي: فمَرَّ بها أي: استمرَّ ودام.
وقرأ ابنُ عبَّاسٍ: وأبو العالية ويحيى بن يعمر، وأيوب: فَمَرَتْ خفيفه الرَّاءِ، وفيها تخريجان:
أحدهما: أنَّ أصلها التشديد، ولكنهم كرهوا التضعيف في حرف مُكرر فتركوه، وهذه كقراءة: {وَقَرْنَ} [الأحزاب: ٣٣] بفتح القاف إذَا جعلناهُ من القرارِ.
والثاني: أنه من المرية وهو الشَّكُ، أي: فشكَّت بسببه أهو حَمْلٌ أم مرض؟
وقرأ عبدُ الله بن عمرو بن العاص، والجحدريُّ: فَمَارَتْ بألف وتخفيف الرَّاءِ، وفيها أيضاً وجهان، أحدهما: أنَّها من: «مَارَ، يمُورُ» إذا جاء وذهب، ومَارتِ الرِّيحُ، أي: جاءت وذهَبَتْ وتصرَّفَتْ في كُلِّ وجهٍ، ووزنه حينئذٍ «فَعَلَتْ» والأصلُ «مَوَرَتْ» ثم قلبت الواو ألفاً فهو ك: طَافَتْ، تَطُوفُ.
والثاني: أنَّها من المريةِ أيضاً قاله الزمخشريُّ، وعلى هذا فوزنه «فَاعلَتْ» .
والأصْلُ «مَارَيتْ» ك «ضَارَبَتْ» فتحرَّك حرفُ العلَّةِ وانفتح ما قبله فقُلِبَ ألفاً، ثمَّ حُذفتْ لالتقاء الساكنين، فهو ك: بَارَتْ، ورَامَتْ. وقرأ سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ، وابنُ عبَّاسٍ أيضاً والضحَّاكُ: فاسْتَمَرَّتْ بِهِ وهي واضحة.