للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فاهمة، فلهذا وردت هذه الألفاظ وفق اعتقادهم؛ ولهذا قال: {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} [الأعراف: ١٩٤] .

وقال: «إنَّ الذينَ» ولم يقل: «إنَّ الَّتي» .

وثانيها: أن هذا اللَّفظ ورد في معرض الاستهزاء بهم أي: أمرهم أن يكونُوا أحياءً عقلاء فإن ثبت ذلك فهم عبادٌ أمثالكم، ولا فضل لهم عليكم، فَلِمَ جعلتُم أنفسكم عبيداً وجعلتموها آلهة وأرباباً؟

ثم أبطل أن يكونوا عباداً فقال: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ} ثم أكَّد البيان بقوله {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} . ومعنى هذا الدعاء طلب المنافع وكشف المضار من جهتهم واللام ي قوله: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} لام الأمر على معنى التَّعجيزِ، ثمَّ لمَّا ظهر لكلِّ عاقل أنها لا تقدر على الإجابة ظهر أنَّها لا تصلح للعبادة، ونظيره قول إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - {لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يَبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً} [مريم: ٤٢] وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في أنَّها آلهة ومستحقَّة للعبادة.

وثالثها: قال مقاتل: الخطابُ مع قوم كانوا يعبدون الملائكة.

قوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} قرأ العامَّةُ بكسر الطاء، من بطش يبطش، وقرأ أبو جعفر وشيبة، ونافع في رواية عنه: يَبْطُشُونَ بضمها، وهما لغتان، وهما لغتان، والبَطْشُ، الأخْذُ بقوة.

واعلم أنَّهُ تعالى ذكر هذا الدَّليل لبيان أنه يقبح من الإنسان العاقل أن يعبد هذه الأصنام؛ لأنَّ هذه الأعضاء الأربعة إذا كان فيها القوى المحركة والمدركة كانت أفضل منها إذا كانت خالية عن هذه القوى، فالرِّجلُ القادرةُ على المشي، واليد القادرةُ على البَطْشِ أفضل من اليد والرجل الخاليتين عن قوة الحركة والحياة، والعينُ البَاصرةُ والأذنُ السَّامعة أفضل من العين والأذن الخاليتين عن القوة السَّامعة، والباصرة، وعن قوَّةِ الحياة.

وإذا ثبت ذلك ظهر أن الإنسان أفضل بكثير من الأصنام بل لا نسبة لفضيلة الإنسانه إلى فضيلة الأصنام ألبتة.

وإذا كان كذلك فكيف يليقُ بالأفضل والأكل الأشرف أن يعبد الأخسّ الأدون الذي لا يحصل منه فائدة ألبتَّة، لا في جلب منفعة ولا في دفع مضرَّة.

قوله: {قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ} قرأ أبُو عمرو كِيدُونِي بإثبات الياءِ وصلاً، وحذفها وقفاً وهشام بإثباتها في الحالين، والباقون بحذفها في الحالين، وعن هشامٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>