الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} [الأنفال: ١] يصنعُ فيها ما يشاء، فأمسك المسلمون عن الطَّلبِ، وفي أنفس بعضهم شيء من الكراهة وحين خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى القتال يوم بدر كانوا كارهين لتلك المقالتة على ما سنشرحه، فلمَّا قال: {قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} [الأنفال: ١] كان التقدير: أنَّهم رضوا بهذا الحكم في الأنفالِ وإن كانُوا كارهين له كما أخرجك ربك من بيتك بالحقِّ إلى القتال، وإن كانُوا كارهين.
الثاني: قال عكرمةُ: تقديره: وأصلحوا ذات بينكم إصلاحاً كما أخرجك، وقد التفت من خطاب الجماعة إلى خطاب الواحد.
والثالث: تقديرهُ: وأطيعوا اللَّهَ ورسولهُ طاعةً محققةً ثابتةً كما أخرجك، أي: كما أنَّ إخراج اللَّه إياك لا مرية فيه ولا شبهة.
الرابع: تقديره: يتوكَّلون توكلاً حقيقياً كما أخرجك ربُّك.
الخامس: تقديره: هم المؤمنون حقّاً كما أخرجك فهو صفةٌ ل «حقاً» .
السادس: تقديره: استقرَّ لهم درجاتٌ وكذا استقراراً ثابتاً كاستقرار إخراجك.
السابع: أنَّهُ متعلقٌ بما بعده تقديره: يجادلونك مجادلةً: كما أخرجك ربك، قال الكسائيُّ «الكاف» تتعلَّقُ بما بعده وهو قوله: {يُجَادِلُونَكَ فِي الحق} [الأنفال: ٦] والتقدير: {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق} على كره فريق من المؤمنين كذلك هم يكرهون القتال ويجادلونك فيه.
الثامن: تقديره: لكارهون كراهيةً ثابتةً: كما أخرجك ربُّك أي: إنَّ هذين الشيئين الجدال والكراهية ثابتان لا محالة كما أنَّ إخراجك ثابت لا محالة.
التاسع: أنَّ «الكافَ» بمعنى «إذ» ، و «مَا» زائدة، والتقديرُ: اذكر إذ أخرجك وهذا فاسدٌ جدّاً، إذ لم يثبتْ في موضعٍ أنَّ «الكاف» تكون بمعنى «إذ» وأيضاً فإنَّ «ما» لا تزاد إلَاّ في مواضعَ ليس هذا منها.
العاشر: أنَّ «الكافَ» بمعنى: «واو» القسم، و «ما» بمعنى «الذي» واقعةٌ على ذي العلم مُقْسَماً به.
وقد وقعت على ذي العلم في قوله: {والسمآء وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: ٥] {وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى} [الليل: ٣] والتقدير: والذي أخرجك، ويكون قوله: يُجَادلُونكَ جواب القسمِ وهذا قول أبي عبيدة.
وقد ردَّ النَّاسُ عليه قاطبةً، وقالوا: كان ضعيفاً في النَّحو. ومتى ثبت كون الكافِ حرف قسمٍ، بمعنى «الواو» ؟ وأيضاً فإن: يُجَادلُونكَ لا يصحُّ كونه جواباً؛ لأنَّهُ على مذهب البصريين متى كان مضارعاً مثبتاً؛ وجب فيه شيئان: اللَاّمُ، وإحدى النونين نحو: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن الصاغرين} [يوسف: ٣٢] وعند الكوفيين إمَّا اللَاّمُ، وإمَّا إحدى النونين، ويُجادلُونكَ عارٍ عنهما.