للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد أوضح ذلك الزمخشريُّ فقال: و «أمَنَةً» مفعولٌ له.

فإن قلت: أما وجب أن يكون فاعلُ الفعل المُعَلَّلِ والعلَّة واحداً؟ قلتُ: بلى، ولكن لمَّا كان معنى: «يَغْشَاكُمُ النعاسُ» تنعسون، انتصب «أمَنَةً» على معنى أنَّ النُّعَاس والأمَنَةَ لهم، والمعنى: إذ تنعسون أمنة بمعنى أمناً.

ثم قال: «فإن قلت: هل يجوز أن ينتصب على أنَّ الأمنة للنُّعاسِ الذي هو فاعل» يَغْشَاكُم؟ أي: يغشاكم النُّعاسُ لأمنة على أنَّ إسنادَ الأمْن غلى النعاس إسنادٌ مجازي، وهو لأصحاب النُّعاس على الحقيقة، أو على أنه أنامكم في وقتٍ كان من حق النعاس في ذلك الوقتِ المخوف أن لا يقدم على غشيانكم، وإنَّما غشَّاكم أمنةً حاصلةً له من اللَّهِ لولاها لم يغشكم على طريقة التَّمثيل، والتخييل «.

قال شهابُ الدين: لا تبعد فصاحة القرآن عن مثله، وله فيه نظائرُ، ولقد ألمَّ به بعضهم؛ فقال: [الوافر]

٢٦٧٦ - يَهَابُ النَّوْمُ أنْ يَغْشَى عُيُوناً ... تَهَابُكَ فهو نفَّارٌ شَرُودُ

قوله:» مِنْهُ «في محلِّ نصب ل» أمَنَةً «والضميرُ في:» منهُ «يجوز ان يعود على الباري تعالى، وأن يعود على» النُّعاسِ «بالمجازِ المذكور آنفاً، وقرأ ابنُ محيصن، والنَّخعي، ويحيى بنُ يعمُر:» أمْنَةً «بسكون الميم، ونظير: أمِنَ أمَنَةً بالتحريك: حَيِيَ حياة، ونظير: أمِنَ أمْنَة بالسُّكُون: رَحِمَ رَحْمَةً.

فصل

كلُّ نوم ونعاس فإنه لا يحصلُ إلَاّ من قبل الله تعالى فتخصيصُ هذا النعاس بأنَّهُ من الله تعالى لا بدَّ منه من فائدة جديدة، وذكرُوا فيه وجوهاً:

أولها: أن الخائف من عدوه خوفاً شديداً لا يأخذه النَّومُ، فصار حصول النَّومِ في وقت الخوفِ الشديد دليلاً على زوال الخوف وحصول الأمنِ.

وثانيها: أنَّهُم خافُوا من جهات كثيرة: قلة المسلمين، وكثرة الكُفَّارِ، وكثرة الأهبة، والآلة، والعدة للكافرين، والعطش الشديد، فلولا حصول النُّعاس، وحصول الاستراحة حتّضى تمكنوا في اليوم الثاني من القتال لما تمَّ الظفرُ.

وثالثها: أنهم ما ناموا نوماً غرقاً يتمكن العدو منهم، بل كان ذلك نعاساً يزيل الإعياء والكلالة بحيث لو قصدهم العدو لعرفوه، ولقدروا على دفعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>