وقال ابن زيد:«نَهاهُم الله أن يخُونُوا كما صنع المنافقون يظهورن الإيمان، ويسرون الكُفْرَ» .
وقال جابرُ بن عبد الله:«إنَّ أبا سفيان خرج من مكَّة فعلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خروجه، وعزم على الذهاب إليه، فكتب رجلٌ من المنافقين إليه أنَّ محمداً يريدكم، فخذوا حذركم فنزلت الآية» . وقال الكلبيُّ والأصمُ والزهريُّ «نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكَّة لمَّا همَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالخروج إليها» .
فصل
قال أبو العباس المقرىء: ورد لفظ «الخيانة» في القرآن بإزاء خمسة معانٍ:
الأول: أنَّ المراد بالخيانة: الذَّنب في الإسلام، كهذه الآية، لمَّا نزلت في أبي لبابة.
الثاني: الخيانة: السرقة، قال تعالى:{وَلَا تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً}[النساء: ١٠٥] نزلت في طعمة، لمَّا سرق الدرعين.
الرابع: الخيانة: المخالفة، قال تعالى:{فَخَانَتَاهُمَآ} أي: خالفتاهما في الدين؛ لأنه يروى أنه ما زنت امرأةٌ نبي قط.
الخامس: الخيانة: الزِّنا، قال تعالى:{وَأَنَّ الله لَا يَهْدِي كَيْدَ الخائنين}[يوسف: ٥٢] يعني: الزنا.
فصل
قال القاضي:«الأقربُ: أنَّ خيانة الله غير خيانة رسوله، وخيانة الرَّسُولِ غير خيانة الأمانة؛ لأنَّ العطف يقتضي المغايرة» .
وإذا عرف ذلك فنقول: إنَّه تعالى أمرهم أن لا يخونوا الغنائم، وجعل ذلك خيانة للَّه؛ لأنَّهُ خيانة لعطيته وخيانة لرسوله؛ لأنه القيم بقسمها، فمن خانها فقد خان الرَّسُول، وهذه الغنيمة قد جعلها الله أمانة في أيدي الغانمين، وألزمهم أن لا يتناولوا لأنفسهم منها شيئاً فصارت وديعة.
والوديعة أمانةٌ في يد المودع، فمن خان منهم فيها قد خان أمانة النَّاس.
إذ الخيانةُ ضد الأمانة.
قال: ويحتمل أن يريد بالإمانة كل ما تعبد به، وعلى هذا التقدير: فيدخل فيه