{الْحَمْدُ للَّهِ} [الفاتحة: ٢] وروى عبد الوارث عن أبي عمرو: فتح لام الأمر من قوله: {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ} [عبس: ٢٤] ، وأتى بخبر «كان» الأولى على خلاف ما أتى به في الثانية فإنَّه إمَّا أن يكون محذوفاً، وهو الإرادة كما يقدِّره البصريون أي: ما كان الله مُريداً لتعذيبهم وانتفاءُ إرادة العذاب أبلغُ من نفي العذاب، وإمَّا أنه أكَّدَهُ باللَاّم على رأي الكوفيين لأنَّ كينونته فيهم أبلغُ من استغفارهمن فشتَّان بين وجودِه عليه الصَّلاة والسَّلام، وبين استغفارهم.
وقوله «وأنتَ فيهِمْ» حال، وكذلك «وهُمْ يَسْتَغفرُونَ» .
والظَّاهر أنَّ الضمائرَ كلَّها عائدةٌ على الكفار.
وقيل: الضمير في «يُعذِّبَهُمْ» و «مُعَذِّبَهُمْ» للكفَّارِ، والضمير من قوله «وهُمْ» للمؤمنين.
وقال الزمخشريُّ: «وهُمْ يَسْتَغفرُونَ» في موضع الحال، ومعناه: نفيُ الاستغفار عنهم أي: ولو كانوا ممَّن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذَّبهم، كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: ١١٧] ولكنهم لا يستغفرون، ولا يؤمنون ولا يتوقَّع ذلك منهم. وهذا المعنى الذي ذكره منقولٌ عن قتادة، وأبي زيد، واختاره ابنُ جريرٍ.
فصل
قال أبُو العباس المقرىءُ: ورد لفظ «في» في القرآن بإزاء ستَّةِ أوجه:
الأول: بمعنى «مع» كهذه الآية، وقوله تعالى: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين} [النمل: ١٩] أي: مع عبادك، ومثله: {فادخلي فِي عِبَادِي} [الفجر: ٢٩] .
الثاني: بمعنى «على» . قال تعالى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: ٧١] أي: على جذوع النخل، ومثله: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور: ٣٨] . أي: عليه.
الثالث: بمعنى «إلى» قال تعالى {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} [النساء: ٩٧] أي: أليها.
الرابع: بمعنى «عن» قال تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى} [الإسراء: ٧٢] أي: عن هذه الآيات.
الخامس: بمعنى «من» قال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ} [النحل: ٨٩] أي: مِنْ كل أمة «شَهِيداً» .
السادس: بمعنى «عند» قال تعالى {كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هذا} [هود: ٦٢] .
فصل
اختلفوا في معنى هذه الآيةِ: فقال محمدُ بنُ إسحاق: هذا حكايةٌ عن المشركين، وهذه الآية متصلة بالآية التي قبلها، وذلك أنَّهُم كانوا يقولون إنَّ الله لا يعذبنا ونحن