لَكُمْ} فيكون قد عطف جملة مثبتة على أخرى منفيَّة، ويجوزُ أن تكون الواو للحال، وألف «جارٌ» من واو، لقولهم: «تَجاورُوا» وقد تقدَّم تحقيقه [النساء: ٣٦] . و «لكم» متعلِّقٌ بمحذوف؛ لأنَّهُ ل «جارٌ» ، ويجُوز أن يتعلَّق ب «جار» لما فيه من معنى الفعل، ومعنى «جار لكم» أي: مجير لكم من كنانة.
قوله {فَلَمَّا تَرَآءَتِ الفئتان} أي: التقى الجمعان؛ {نَكَصَ على عَقِبَيْهِ} «نَكَصَ» : جواب «لمَّا» والنُّكُوص: قال النضر بنُ شميلٍ: الرُّجوع قَهْقَرَى هارباً، قال بعضهم: هذا أصله، إلَاّ أنه قد اتُّسِع فيه، حتى استُعْمل في كلِّ رجوع، وإن لم يكن قَهْقَرَى؛ قال الشاعر: [البسيط]
٢٧٢١ - هُمْ يَضْربُونَ حَبيكَ البَيْض إذْ لَحِقُوا ... لا يَنْكُصُونَ إذَا مَا استُلْحِمُوا وحَمُوا
وقال مُؤرِّج: «النُّكُوصُ: الرجوعُ بلغة سُلَيْم» ؛ قال: [البسيط]
٢٧٢٢ - لَيْسَ النُّكُوصُ على الأعقابِ مَكْرُمَةً ... إنَّ المكارِمَ إقْدَامٌ على الأسَلِ
فهذا إنَّما يريدُ به مُطْلَق ارُّجوع؛ لأنَّهُ كنايةٌ عن الفرارِ، وفيه نظر؛ لأنَّ غالب الفرار في القتال إنَّما هو كما ذُكِر، رجوعُ القَهْقَرَى، كخوف الفَار.
و «عَلَى عَقبَيْهِ» حال، إمَّا مؤكدةٌ، عند من يَخُصُّه بالقهقرى، أو مُؤسِّسةٌ، عند من يستعمله في مطلق الرُّجُوعِ.
ثم قال: {إِنِّي برياء مِّنْكُمْ إني أرى مَا لَا تَرَوْنَ} .
قيل: رأى الملائكة فخافهم.
وقيل: رأى أثر النُّصْرَة والظَّفر في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فعلم أنه لو وقف لنزلت عليه بليّة.
وقيل: رأى جبريل فخافه.
وقيل: لمَّا رأى الملائكة ينزلون من السماء ظنَّ أنَّ الوقت الذي أنظر إليه قد حضر، وأشفق على نفسه، وقيل «أرَى مَا لَا تَرَوْنَ» من الرأي.
وقوله: {إني أَخَافُ الله} قال قتادة: «قال إبليس» إنِّي أرَى ما لا ترَوْنَ «وصدق، وقال {إني أَخَافُ الله} وكذب ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة، فأوردهم وأسلمهم» .
وقال عطاءٌ: إنّي أخاف اللَّهَ أن يهلكني فيمن هلك.