فالجوابُ: أنَّا بيَّنا أنَّ الفعل إنما ينشأ عن الاعتقاد، فأطلق على المسبب اسم السَّببِ وهذا من أشهر وجوه المجاز.
قوله:{وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ} .
في محل «أنَّ» وجهان:
أحدهما: النصبُ بنزع الخافض يعني: بأنَّ اللَّهَ.
والثاني: أنَّكَ إن جعلت قوله: «ذلك» في موضع رفع، جعلت «أنَّ» في موضع رفع أيضاً، أي: وذلك أنَّ الله.
قال الكسائيُّ:«ولو كسرت ألف» أنَّ «على الابتداء كان صواباً، وعلى هذا التقدير يكون كلاماً مبتدأ منقطعاً عمَّ قبله» .
فصل
قالت المعتزلةُ: لو كان اللَّه تعالى يخلق الكفر في الكافر، ثم يعذبه عليه لكان ظالماً، وأيضاً قوله تعالى:{ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ} يدلُّ على أنه تعالى إنَّما لم يكن ظالماً بهذا العذاب؛ لأنَ العبد قدَّم ما استوجب عليه هذا العذاب، وذلك يدلُّ على أنَّهُ لو لم يصدر منه تعالى ذلك التقديم لكان ظالماً في هذا العذاب، وأيضاً: لو كان موجد الكفر والمعصية هو الله لا العبد لوجب كون الله ظالماً، وهذه المسألة قد سبق ذكرها مُسْتَقْصَاةً في آل عمران.
قوله تعالى:{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} الآية.
لمَّا بيَّن ما أنزله بأهل بدر من الكفَّار عاجلاً وآجلاً، أتبعه بأن بيَّن أنَّ هذه طريقته وسنته ودأبه في الكل فقال:{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} .
قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما «هو أن آل فرعون أيقنوا أنَّ موسى نبي الله فكذبوه، كذلك هؤلاء جاءهم محمد بالصِّدق فكذَّبوه، فأنزل الله عقوبته، كما أنزل بآل عمران» .
{والذين مِن قَبْلِهِمْ} أي: كعادة الذين من قبلهم، وتقدَّم الكلامُ على «كَدَأبِ» في آل عمران.
ثم قال تعالى:{إِنَّ الله قَوِيٌّ شَدِيدُ العقاب} والغرضُ منه: التَّنبيه على أن لهم عذاباً مُدْخراً سوى ما نزل بهم من العذاب العاجل، ثمَّ ذكر ما يجري مجرى العلَّة في العقاب الذي أنزله بهم، فقال:{ذلك بِأَنَّ الله} ، «ذلك» مبتدأ وخبر أيضاً، كنظيره أي: ذلك العذابُ أو الانتقامُ بسبب أنَّ اللَّه.