فإن قيل: إنه تعالى ذكر: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} مرتين، فما فائدة؟
فالجوابُ من وجوه، منها: أنَّ الكلام الثَّاني يجري مجرى التفصيل للكلام الأول؛ لأنَّ الأول فيه ذكرُ أخذهم، وفي الثاني ذكر إغراقهم، وذلك تفصيل، ومنها: أنَّهُ أريد بالأوَّلِ ما نزل بهم من العقوبة في حال الموت، وبالثاني ما ينزلُ بهم في القبر وفي الآخرة، ومنها: أنَّ الكلام الأول هو قوله: {كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله} والكلام الثاني هو قوله: {كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ} فالأوَّلُ إشارة إلى أنَّهم أنكروا دلائل الإلهية، والثاني إشارة إلى أنَّهُ سبحانه ربَّاهم وأنعم عليهم بالوجوه الكثيرة، فأنكروا دلائل التربية والإحسان مع كثرتها، وتواليها عليهم فكان الأثر اللازم من الأول الأخذ، والأثر اللازم من الثاني هو الإهلاك والإغراق وذلك يدلُّ على أنَّ للكفر أثراً عظيماً في حصول الإهلاك، ومنها: أنَّ الأول دَأبٌ في أن هلكوا لمَّا كفروا، وهذا دأبٌ في أن لم يُغيِّر اللَّهُ نعمتهم حتَّى يُغيروها هم.
ومنها: قال الكرمانيُّ: «يحتملُ أن يكون الضميرُ في:» كفرُوا «في الآية الأولى عائداً على قريش، والضمير في:» كذَّبُوا «في الثانية عائداً على آل فرعون والذين من قبلهم، كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم، أهلكنا بعضهم بالرجفةِ، وبعضهم بالخسف، وبعضهم بالريحِ، وبعضهم بالغرق، وكذلك أهلكنا كفار بدر بالسيفِ لما كذبوا، وأغرقنا آل فرعون» .
{وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ} جمع الضمير في: «كانوا» ، وجمع:«ظالمين» مراعاةً لمعنى «كُل» لأنَّ «كُلاًّ» متى قطعت عن الإضافة جاز مراعاةُ لظفها تارةٌ، ومعناها أخرى. وإنَّما اختير هنا مراعاةُ المعنى؛ لأجل الفواصل، ولو رُوعي اللَّفظُ فقيل مثلاً وكلٌّ كان ظالماً، لَمْ تتَّفِق الفواصل.