وقال بعضهم: القوة هي الحصون.
وقال أهل المعاني: هذا عام في كل ما يتوقى به على الحرب.
وقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ «القُوَّةُ هي الرَّمْيُ» لا ينفي كون غير الرمي معتبراً، كقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «الحَجُّ عرفة» و «النَّدمُ توْبةٌ» لا ينفي اعتبار غيره.
فإن قيل: قوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم} كان يكفي، فلم خصَّ الرمي والخيل بالذكر؟ .
فالجوابُ: أنَّ الخيل لما كانت أصل الحروب وأوزارها الَّتي عقد الخير في نواصيها، وهي أقوى الدّواب وأشد العدة وحصون الفرسان، وبها يُجالُ في الميدان، خصَّها بالذِّكر تشريفاً وأقسم بغبارها تكريماً، فقال: {والعاديات ضَبْحاً} [العاديات: ١] الآياتُ، ولمَّا كانت السهامُ من أنجع ما يتعاطى في الحروب والنكاية في العدوَّ، وأقربها تناولاً للأرواح، خصَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالذكر لها؛ ونظير هذا قوله تعالى: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٨٩] بعد ذكر الملائكة، ومثله كثير.
قوله «مِن قُوَّةٍ» في محلِّ نصبٍ على الحالِ، وفي صاحبها وجهان:
أحدهما: أنَّهُ الموصول، والثاني: أنه العائد عليه، إذ التقديرُ: ما استطعتموه حال كونه بعض القوة، ويجوزُ أن تكون «مِنْ» لبيان الجِنْسِ.
قوله: «ومِن ربَاطِ» ، جوَّزُوا فيه أن يكون جمع «رَبْط» مصدر: رَبَط يَربط، نحو: كَعْب وكِعَاب، وكَلْب وكِلاب، وأن يكون مصدراً ل «رَبَطَ» ، نحو: صَاحَ صِيَاحاً.
قالوا: لأنَّ مصادر الثلاثي لا تنقاس، وأن يكون مصدر: «رَابِط» ، ومعنى المفاعلة: أنَّ ارتباط الخيل يفعله كلُّ واحد لفعل الآخر، فيرابط المؤمنون بعضهم بعضاً، قال معناه ابن عطيَّة.
قال أبُو حيَّان: قوله «مصادرُ الثلاثي غير المزيد لا تَنْقَاسُ» ليس بصحيحٍ، بل لها مصادر منقاسةٌ ذكرها النحويون.
قال شهابُ الدِّين: «في المسألة خلافٌ مشهور، وهو لم ينقل الإجماع على عدم القياسِ حتى يرُدَّ عليه بالخلاف؛ فإنَّهُ قد يكون اختيار أحد المذاهب، وقال به، فلا يُردُّ عليه بالقول الآخر» .
وقال الزمخشريُّ: «والرِّباط: الخَيْلُ التي تُرْبط في سبيل الله ويجوز أن يُسمَّى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة، ويجوزُ أن يكون جمع: رَبيط يعني: بمعنى مَربُوط، ك: فَصِيل وفِصَال. والمصدرُ هنا مضافٌ لمفعوله»