أي: فهم إخوانكم «فِي الدين» لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم، قال ابنُ مسعودٍ «أمرتم بالصَّلاةِ والزكاة فمن لم يزك فلا صلاة له» .
وروى أبو هريرة قال: لمَّا توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكان أبو بكر، وكفر من كفر من العرب فقال عمرُ: كيف تقاتل النَّاس، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«أمِرْتُ أنْ أقاتل النَّاس حتَّى يقُولُوا لا إلهَ إلَاّ اللهُ، فمَنْ قَالهَا فقد عَصَمَ منِّي مالهُ ونَفْسَهُ إِلَاّ بِحَقِّها وحِسابُهُ على اللهِ» فقال: والله لأقاتلنَّ مَنْ فرَّق بين الصلاةِ والزكاةِ، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لقاتلهم على منعه، قال عمر:«فوالله ما هو إلَاّ أن شرح الله صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحقّ» .
قوله {وَنُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} قال الزمخشريُّ: وهذا اعتراض واقع بين الكلامين، والمقصود: الحث والتحريض على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها.
قوله {وَإِن نكثوا أَيْمَانَهُم} نقضوا عهودهم، «الأيمان» جمع «يمين» بمعنى: الحلف. «مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ» عقدهم. يعني: مشركي قريش. قال الأكثرون: المرادُ: نكثهم لعهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقيل: المرادُ: حمل العهد على الإسلام، ويؤيدهُ قراءة من قرأ «وإن نكثُوا إيمانَهُم» بكسر الهمزة والأول أولى، للقراءة المشهورة؛ ولأنَّ الآية وردت في ناقضي العهد، وقوله:{وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ} أي: عابوه، وهذا دليلٌ على أنَّ الذِّمِّي إذا طعن في دين الإسلام ظاهراً لا يَبْقَى له عهد.
قوله:{فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر} أي: متى فعلوا ذلك فافعلوا هذا. قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «أئِمَّة» بهمزتين ثانيتهما مُسهَّلة بَيْنَ بَيْنَ، ولا ألف بينهما.
والكوفيون وابن ذكوان عن ابن عامر بتحقيقهما، من غير إدخال ألف بينهما، وهشام كذلك، إلَاّ أنَّه أدخل بينهما ألفاً، هذا هو المشهور بين القراء السبعة، وفي بعضها كلامٌ يأتي إن شاء الله تعالى، ونقل أبو حيان عن نافع ومن معه، أنَّهم يبدلون الثانية ياء صريحة، وأنَّهُ قد نُقِلَ عن نافعٍ المدُّ بينهما، أي: بين الهمزة والياء. فأمَّا قراءةُ التحقيق، وبينَ بينَ، فقد ضعَّفها جماعةٌ من النحويين، كأبي علي الفارسي، وتابعيه، ومن القرَّاء أيضاً من ضعَّف التَّحقيق مع روايته له وقراءتِهِ به لأصحابه، ومنهم من أنكر التسهيل بينَ بينَ، فلم يقرأ به لأصحاب التخفيف، وقرءوا بياء خفيفة الكسر، نَصُّوا على ذلك في