مقتل الحسين، على أنَّ الواجب أن يكون:» يَوْمَ حُنينٍ «منصوباً بفعل مضمر، لا بهذا الظَّاهر، ومُوجِبُ ذلك أنَّ قوله:» إِذْ أَعجَبَتْكُمْ «بدلٌ من» يَوْمَ حُنَينٍ «، فلو جعلتَ ناصبَه هذا الظاهر، لم يصحَّ؛ لأنَّ كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن، ولم يكونوا كثيرين في جميعها، فبقي أن يكون ناصبُه فعلاً خاصاً به» .
قال شهابُ الدِّين:«لا أدري ما حمله على تقدير أحد المضافين، وعلى تأويل» المواطن «بالوقت، ليصحَّ عطفُ زمانٍ على زمان، أو مكان على مكان، إذ يصحُّ عطفُ أحدُ الظرفين على الآخر؟ وأمَّا قوله:» على أنَّ الواجب أن يكون «إلى آخره؛ كلامٌ حسنٌ، وتقريره أنَّ الفعل مُقيدٌ بظرف المكان، فإذا جعلنا» إذْ «بدلاً من» يَوْم «كان معمولاً له؛ لأنَّ البدل يَحُلُّ محلَّ المُبْدل منه؛ فيلزم منه أنه نصرهم إذ أعجبتهم كثرتُهم في مواطن كثيرة، والفرض أنَّهم في بعض هذه المواطن لم يكونوا بهذه الصفة، إلَاّ أنَّه قد ينقدح، فإنَّه - تعالى - لم يقل في جميع الموطن، حتَّى يلزم ما قاله» .
ويمكن أن يكون أراد بالكثرةِ: الجميع، كما يُراد بالقلة العدمُ.
وقرأ زيد بن علي في الموضعين «رَحْبَت» بسكون العين، وهي لغة تميم، يسكنون عين «فَعُل» فيقولون: في «شَرُف»«شَرْف» . و «الرُّحْب» بالضمِّ: السَّعَة، وبالفتح: الشيء الواسع، يقال: رَحُب المكان يَرْحُب رُحْباً ورَحَابَةٌ، وهو قاصر. فأمَّا تعدِّيه في قولهم: رَحُبَتكم الدار «فعلى التضمين، لأنه بمعنى» وسعتكم «.
فصل
قوله:{فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً} الإغناء: إعطاء ما يدفع الحاجة، أي: فلم يُعطِكم شيئاً يدفع حاجتكم. والمعنى: أنه تعالى أعلمهم أنَّهُم لا يغلبون بكثرتهم، وإنما يغلبون بنصر الله، فلمَّا أعجبوا بكثرتهم، صاروا منهزمين، ثم قال:{وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ} أي: مع رحبها، و» ما «ههنا مع الفعل بمنزلة المصدر، والمعنى: إنكم لشدَّةِ ما لحقكم من الخوف ضاقت عليكم الأرضُ، فلم تجدُوا فيها موضعاً يصلح لفراركم من عدوكم.
قال البراء بن عازب: كانت» هوازن «رماة، فلما حملنا انكشفوا وأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام، وانكشف المسلمون عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولم يبق معه إلا العباس وأبو سفيان بن الحارث. قال [البراء] : والذي لا إله إلَاّ هو ما ولَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ