فذهب الشافعيُّ إلى أنَّ الجزية على الأديان لا على الأنساب، فتؤخذُ من أهل الكتاب عرباً كانوا أو عجماً، ولا يؤخذ من أهل الأوثان بحال؛ لأنَّ النبي - عليه الصَّلاة والسَّلام - أخذها من أَكَيْدِر دُومَةَ - وهو رجل من العرب يقال: غسان -، وأخذ من أهل دومة اليمنِ وعامتهم عرب؛ وذهب مالكٌ والأوزاعي إلى أنَّها تؤخذ من جميع الكُفَّارِ.
وقال أبُو حنيفة: تؤخذُ من أهل الكتابِ على العموم، وتؤخذُ من مشركي العجم، ولا تؤخذ من مشركي العربِ. وقال أبو يوسف: لا تؤخذُ من العربي كتابياً كان أو مشركاً وتؤخذ من العجمي كتابيّاً كان أو مشركاً، وأمَّا المجوس فاتفقت الصَّحابةُ على أخذ الجزية منهم؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «سُنُّوا بِهمْ سُنَّةَ أهْلِ الكِتابِ» .
فصل
قال القاضي: قسم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على كل محتلم ديناراً، وقسم عمر على الفقراء من أهل الذمة اثني عشر درهماً، وعلى الأوْساطِ أربعة وعشرين، وعلى أهل الثروة ثمانية وأربعين، ولمَّا بعث رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معاذاً إلى اليمن أمرهُ أن يأخذَ من كلِّ حالم ديناراً، أي: بالغ، ولم يفرِّق بين الغني والفقير والوسط، وذلك دليل على أنها لا تجب على الصبيان، وكذلك لا تجب على النساء، إنَّما تؤخذ من الأحرار البالغين العقلاء من الرجالِ.
فصل
تؤخذ الجزية عند أبي حنيفة في أوَّل السنة، وعند الشافعي وغيره في آخرها. وتسقط الجزية بالإسلام والموت عند أبي حنيفة وغيره لقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ «لَيْسَ عَلى المُسلمِ جزيةٌ» وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - لا تسقطُ.
فصل
قال بعضُ العلماءِ: هؤلاء إنَّما أقرُّوا على دينهم الباطل بأخذ الجزية حرمة لآبائهم