للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال الكلبيُّ: «لمَّا قتل بُخْتنصَّر علماءهم، فلمْ يبق فيهم أحدٌ يعرف التوراة، وكان عزير ابن ذاكَ صغيراً؛ فاستصغره فلم يقتله، فلمَّا رجع بنو إسرائيل إلى بيتِ المقدس وليس فيهم من يقرأ التوراة بعث الله عزيراً، ليجدِّد لهم التوراة، ويكون لهم آية بعدما أماته مائة عام، يقال: أتاهُ ملكٌ بإناءٍ فيه ماء؛ فسقاه، فمثلت التوراة في صدره، فلمَّا أتاهُم وقال: أنا عُزَيرٌ فكذَّبُوه وقالوا: إنْ كنت كما تزعُمُ فأملِ علينا التوراة فكتبها لهم، ثمَّ إنَّ رجلاً قال: إنَّ أبي حدَّثَنِي عن جدِّي أنَّ التوراة جعلت في خابية ودفنت في كرم، فانطلقوا معه حتى أخرجوها فعرضوها على ما كتب عزير، فلم يغادر حرفاً، فقالوا: إنَّ الله لم يقذف التوراة في قلب رجلٍ إلَاّ أنه ابنه، فقالوا: عُزيرٌ ابنُ الله» .

فصل

وأمَّا قولُ النَّصارى المسيح ابن اللهِ، فظاهرٌ، وفيه إشكال، وهو أنَّا نقطع أن المسيح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ كان مبرأً من دعوة النَّاس إلى الأبوة والبنوة؛ فإنَّ هذا أفحش أنواع الكُفْرِ، فكيف يليق بأكابر الأنبياء؟ وإذا كان كذلك، فكيف يعقلُ إطباق محبي عيسى من النصارى عليه، ومن الذي وضع هذا المذهب الفاسدَ؟

وأجاب المفسِّرُون عن هذا: بأنَّ أتباع عيسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كانُوا على الحقِّ بعدما رفع عيسى حتى وقع حرب بينهم وبين اليهود، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له: بولص قتل جماعةً من أصحاب عيسى، ثم قال لليهود: إن كان الحقُّ مع عيسى؛ فقد كفرنا، والنَّار مصيرنا، ونحن مغبونون إنْ دخلوا الجنَّة ودخلنا النارَ، وإني أحتال؛ فأضلهم حتى يدخلوا النَّار، وكان له فرس يقال له: العقاب، يقاتلُ عليه، فعرقب فرسه، وأظهر الندامة، ووضع التراب على رأسه، فقالت له النَّصارى: مَنْ أنتَ؟ قال: بولص عدوكم، تبتُ، فنوديت من السَّماء ليس لك توبة إلَاّ أنْ تَتَنَصَّر؛ وقد تبت، فأدخلوه الكنيسة، ومكث سنةً لا خرج ليلاً ولا نهاراً، حتَّى تعلَّم الإنجيل وقال: نوديت أنَّ الله قبل توبتك؛ فصدقوه وأحبوه.

ثم مضى إلى بيتِ المقدسِ، واستخلف عليهم رجلاً اسمه: نسطور، وعلمه أنَّ عيسى، ومريم والإله كانوا ثلاثة، وتوجه إلى الرُّوم وعلَّمهم اللاهوت والنَّاسوت، وقال: ما كان عيسى إنساناً، ولا جسماً ولكنه ابن الله، وعلَّم رجلاً يقال له: يقوبُ ذلك، ثم دعا رجلاً يقال له ملكا فقال له: إنَّ الإله لم يزل، ولا يزال عيسى، ثم دعا هؤلاء الثلاثة وقال لكلِّ واحد منهم أنت خالصتي فادع النَّاس إلى إنجيلك، ولقد رأيتُ عيسى في المنام ورضي عنِّي، وإنِّي غداً أذبح نفسي لمرضاة عيسى، ثم دخل المذبح، فذبح نفسه، فلمَّا كان يوم ثالثه دعا كل واحد منهم النَّاس إلى مذهبه؛ فتبع كلُّ واحد منهم طائفة، فاختلفوا واقتتلوا، هذا ما حكاه الواحديُّ وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>