كالممتنع، وهذا يدلُّ على أنَّ إجماع هذه الأمة على الباطل، لا يحصلُ؛ فكذلك في سائر الأمم، وعبَّر عن أخذ الأموال ب «الأكلِ» ؛ إمَّا لأنَّ المقصود الأعظم من جمع الأموال الأكل، فسمى الشيء باسم ما هو أعظم مقاصده، وإمَّا لأنَّ من أكل شيئاً، فقد ضمَّه إلى نفسه، ومنع غيره من الوصول إليه؛ وإمَّا لأنَّ من أخذ أموال الناس، إذا طولب بردّها، قال: أكلتها، فلهذه الوجوه سمى الأخذ بالأكل.
واختلفوا في تفسير هذا «الباطل» . فقيل: كانوا يأخذون الرشا في تخفيف الأحكام، والمسامحة في الشرائع، وقيل: كانوا يدَّعُون عند العوام منهم، أنَّه لا سبيل إلى الفوز بمرضاة الله تعالى إلَاّ بخدمتهم وطاعتهم، وبذل الأموال في مرضاتهم، والعوامُ كانوا يغْتَرُّونَ بتلك الأكاذيب، وقيل: كانوا يُغَيِّرُونَ الآيات الدَّالة على مبعث محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -، وعلى صدقه، ويذكرون في تأويلها وجوهاً فاسدةً، ويُطَيِّبُون قلوب عوامهم بهذا السَّبب، ويأخذون الرشوة عليهم، وقيل: كانوا يُحرِّفُون كتاب الله، ويكتبون كتباً ويقولون هذه من عند الله، ويأخذون بها ثمناً قليلاً من سفلتهم.
قوله «وَيَصُدُّونَ» يحتمل أن يكون متعدياً، أي: يصدُّون النَّاسَ، وأن يكون قاصراً، كذا قال أبو حيان، وفيه نظرٌ؛ لأنَّه متعدٍّ فقط، وإنَّما يحذف مفعوله، ويراد، أو لا يُراد، كقوله {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ}[البقرة: ٦٠] .
قوله {والذين يَكْنِزُونَ الذهب} الجمهورُ على قراءته بالواو، وفيها تأويلان:
أحدهما: أنَّها استئنافيةٌ، و «الذينَ» مبتدأ ضُمِّنَ معنى الشرط، ولذلك دخلت الفاءُ في خبره.
الثاني: أنَّه من أوصافِ الكثير من الأحبارِ والرُّهبان، وهو قول عثمان ومعاوية.
قال زيدُ بنُ وهبٍ: مررتُ بأبي ذر بالربذة، فقلت: يا أبا ذرّ ما أنزلك هذه البلاد؟ فقال: كنت بالشام، فقرأت:{والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة} فقال معاويةُ: هذه الآية في أهل الكتابِ، فقلتُ: إنها فيهم وفينا، فصار ذلك سبباً للوحشة بين وبينه، فكتب إليَّ عثمان أن أقبل إليَّ، فلمّا قدمت المدينة انحرف النَّاس عنِّي؛ كأنهم لم يَرَوْنِي من قبل، فشكوت ذلك إلى عثمان، فقال لي: تنح قريباً، فقلت: والله إنّي لم أدع ما كنت أقول.
ويجوزُ أن يكون «الَّذينَ» منصوباً بفعلٍ مقدرٍ، يُفسِّره، «فَبشِّرهُم» وهو أرجحُ، لمكان الأمر.
وقرأ طلحة بن مصرف «الَّذينَ» بغير واو، وهي تحتملُ الوجهين المتقدمين، ولكنَّ