للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى قراءة عاصم: إن كان تقولون إنَّهُ أذُنٌ، فأذن خير لكم، يقبل منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم. ومعنى قراءة الجرِّ: أي: هو أذُنُ خير، لا أذُنُ شر وقرأ نافع «أذْن» ساكنة الذَّال في كلِّ القرآن، والباقون بالضَّم وهما لغتان مثل: عنق وظفر.

ثم بيَّن كونه «أذُنُ خَيْرٍ» بقوله: {يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} فجعل تعالى هذه الثلاثة كالموجبة لكونه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ «أذُنُ خَيْرٍ» ، أمَّا قوله {يُؤْمِنُ بالله} فلأنَّ كلَّ من آمن بالله كان خائفاً من الله، والخائف من الله لا يؤذي بالباطل. ويُؤمِنُ للمؤمنينَ أي: يسلمُ للمؤمنين قولهم، إذا توافقُوا على قولٍ واحدٍ وهذا بيان كونه سليم القلب.

فإن قيل: لِمَ عدي الإيمان باللهِ بالباءِ، وإلى المؤمنين باللَاّم؟ .

فالجواب: أنَّ المراد بالإيمان بالله، المراد منه: التَّصديق الذي هو نقيض الكفر فعدي بالباء والإيمان المعدَّى إلى المؤمنين، معناه: الاستماع منهم والتسليم لقولهم فعدي باللَاّم، كقوله:

{وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} [يوسف: ١٧] وقوله {فَمَآ آمَنَ لموسى إِلَاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} [يونس: ٨٣] وقوله: {أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون} [الشعراء: ١١١] وقوله {آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْءَاذَنَ لَكُمْ} [طه: ٧١] .

وقال ابن قتيبة «هما زائدتان، والمعنى: يصدِّق الله، ويصدِّق المؤمنين» وهذا مردود؛ ويدلُّ على عدم الزيادةِ تغايرُ الحرف الزَّائد، فلو لم يُقصدْ معنًى مستقلٌ، لما غاير بين الحرفين.

وقال المبرد: هي متعلقةٌ بمصدرٍ مقدّر من الفعل، كأنَّه قال: وإيمانه للمؤمنين وقيل: يقال: آمنتُ لك، بمعنى: صدَّقتكَ، ومنه {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} [يوسف: ١٧] . قال شهابُ الدِّينِ وعندي أنَّ هذه اللَاّم في ضمنها «ما» ، والمعنى: ويصدِّق للمؤمنين بما يُخبرونه به وقال أبُو البقاءِ: واللَاّم في للمؤمنين زائدةٌ، دخلت لتفرِّق بين «يُؤمن بمعنى: يُصدِّق، وبين» يؤمن «بمعنى: يثبت الإيمان وقوله: {وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} فهذا أيضاً يوجبُ الخير به؛ لأنَّه يجري منكم على الظَّاهرِ، ولا يبالغ في التفتيش على بواطنكم، ولا يهتكُ أستاركم، فدلَّت هذه الأوصاف الثلاثة على وجوب كونه» أذُن خَيْرٍ «وقرأ الجمهورُ» ورَحْمَةٌ «رفعاً نسقاً على» أذُنُ «أي: وهو رحمة للذين آمنوا. وقال بعضهم: هو عطفٌ على» يُؤمن «، لأنَّ» يُؤمن «في محل رفع صفة ل:» أذُن «، تقديره:

<<  <  ج: ص:  >  >>