الثاني: أنَّ «الذي» صفةٌ لمفردٍ مُفهم للجمع، أي: وخضتم خَوَْضاً كخوض الفوج الذي خاضُوا، أو الفريق الذي خاضوا والكلامُ في العائد كما سبق قبل.
قال بعضُ المفسِّرين:«الَّذي» اسم ناقص مثل «ما، ومن» ، يعبَّر عن الواحد والجمع، كقوله تعالى:{كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً} ثم قال {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ}[البقرة: ١٧] .
الثالث: أن «الَّذي» من صفة المصدر، والتقدير: وخضتم خوضاً كالخوضِ الذي خاضوه وعلى هذا فالعائدُ منصوبٌ من غير واسطةِ حرفِ جر. وهذا الوجهُ ينبغي أن يكون هو الراجح، إذ لا محذور فيه.
أي: ككون. وقد تقدَّم أنَّ هذا مذهب الفراء، ويونس، وقد تقدَّم تأويل البصريين لذلك قال الزمخشريُّ «فإن قلت: أيُّ فائدة في قوله: {فاستمتعوا بِخَلاقِهِمْ} ، وقوله {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ} مغنٍ عنه، كما أغْنَى» كالَّذِي خَاضُوا «؟ قلت: فائدته أن يذُمَّ الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدُّنيا، ورضاهم بها عن النَّظرِ في العاقبة، وطلب الفلاح في الآخرة، وأن يُخَسِّس أمر الاستمتاع ويُهَجِّن أمر الراضي به، ثم شبَّه حال المخاطبين بحالهم، وأمَّا {وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا} فمعطوفٌ على ما قبله ومسندٌ إليه، مُسْتَغْنٍ بإسناده إليه عن تلك المقدمة يعني: أنه استغنى عن أن يكون التَّركيبُ: وخاضُوا، فخضتم كالذي خاضوا» . وفي قوله {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ} إيقاعٌ للظَّاهر موقع المضمر، لنُكتَةٍ، وهو أنَّه كان الأصلْ: فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتعوا بخلاقهم؛ فأبرزهم بصورةِ الظَّاهر تحقيراً لهم، كقوله:{لَا تَعْبُدِ الشيطان إِنَّ الشيطان كَانَ للرحمن عَصِيّاً}[مريم: ٤٤] ، وكقوله قبل ذلك:{المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ} ، ثم قال:{إِنَّ المنافقين هُمُ الْفَاسِقُونَ}[التوبة: ٦٧] وهذا كما يدلُّ بإيقاع الظَّاهر موقع المضمر على التفخيم والتعظيم، يدُلُّ به على عكسه، وهو التَّحقير.
فصل
معنى الآية: إنَّكُم فعلتم كفعل الذين من قبلكم، بالعدولِ عن أمر الله والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وقبض الأيدي عن الخيرات، و {كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً}