قسم واجبٌ بأصل الشرع كالزَّكاة، والنفقات الواجبةِ.
وقسم لم يجب إلَاّ إذا التزمه العبد كالنذور.
فقوله:«لنصَّدَّقنَّ» هل يتناولُ الأقسام الثلاثة، أو لا؟
فالجوابُ: أنَّ الصَّدقات الَّتي ليست واجبة، غير داخلة في الآية، لقوله:«بخلوا به» والبخل في عرف الشَّرْعِ عبارة عن منع الواجب؛ ولأنَّه تعالى ذمَّهُم بهذا الترك، وتارك المندوب لا يذم.
بقي القسمان الواجبان؛ فالواجب بأصل الشرع داخل في الآية، لا محالة بقي الواجب بالنَّذر، والظَّاهر أن اللفظ لا يدلُّ عليه؛ لأنه ليس في الآية إلَاّ قوله {لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} وهذا ليس فيه إشعارٌ بالنَّذر، لأنَّ الرجل قد يعاهدُ ربَّهُ في أن يقوم بما يلزمه من الزَّكوات والنفقات الواجبة إن وسَّعَ اللهُ عليه.
فإن قيل: لفظ الآية يدلُّ على أنَّ الذي لزمهم إنَّما بسبب هذا الالتزام، والزكاةُ لا تلزم بسبب هذا الالتزام، وإنما تلزمُ بملك النصاب وحلول الحولِ.
فالجوابُ: قوله: «لنصَّدقنَّ» لا يوجبُ أن يفعلوا ذلك على الفور؛ لأنَّهُ إخبار عن إيقاع هذا الفعل في المستقبل، وهذا النذر لا يوجبُ الفور؛ فكأنهم قالوا: لنصدقن في وقته كما قالوا: {وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصالحين} أي: في أوقات لزوم الصَّلاة؛ فثبت بما قرَّرْنَا أنَّ الدَّاخل تحت هذا العهد، إخراج الأموال الواجبة بأصل الشَّرع، ويؤكد هذا ما روي في سببن النُّزولِ أنَّ الآية إنَّما نزلت في حق من امتنع من أداة الزَّكاةِ.
فصل
المرادُ من «الفضل» ههنا: إيتاء المالِ بأي طريق كان، إمَّا بتجارة، أو غنيمةٍ أو غير ذلك. والمرادُ ب «الصَّالحينَ» : الصالح ضد المفسد، والمفسد عبارة عمَّن بخل بما يلزمه في التكليف، فالصَّالح: من يعملُ بعمل أهل الصَّلاحِ من صلة الرَّحمِ والنَّفقةِ في الخير، ونحو ذلك.
ثم قال تعالى:{فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} .
قال الليثُ: يقال: أعقب فلاناً ندامةٌ، إذا صيرت عاقبة أمره ذلك، قال الهذليُّ:[الكامل]